مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

الافتتاحية

تثير مفاهيم الصورة النمطية، والصورة الذهنية، والتصور العام، والانطباع، وغيرها، الكثيرَ من المفاهيم المتداخلة والكثير من الجدل، إلا أن الخطورة تكمن حين نكتشف أن تلك التصورات العامة -أياً كان مسماها؛ صورة نمطية، أو صورة ذهنية، أو تصوراً عاماً، أو انطباعاً- هي أساس العديد من المشكلات الاجتماعية والإنسانية، حينما تغذي التحيز والتمييز وتكرس الظلم، وتُبنى بناءً عليها القرارات، أو تُشكَّل العلاقات والصلات وفقاً لمنظورها، الأمر الذي ينتهي إلى الحرمان من رؤية التنوع الإنساني بجماله وتعقيده معاً، بما يجعلنا أمام قوة مدمرة تشوّه الحقيقة.
على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي الصورة النمطية إلى تفاقم العنصرية، عندما تُفترض صفات سلبية لجماعة معينة، بسبب لون بشرتها أو خلفيتها الثقافية، فحين يُذكر العرب أو المسلمون في السياقات الدولية، فكثيراً ما تطفو على السطح صور نمطية راسخة، تغذيها عقود من التحيُّز التاريخي والإعلام الموجَّه. ولعل أبرز هذه الصور تلك التي تربط العرب بالصراعات والعنف، والمسلمين بالإرهاب أو التعصب، مع التسليم بتجاوز أقطاب بعينها هذه التصورات، مثل دول الخليج، والمملكة العربية السعودية تحديداً، بما تقوده حالياً من مبادرات ومشاريع وجهود عالمية، تُسهم في تقديم صورة حقيقية عن العرب والمسلمين، والهوية الأصيلة لإنسان شبه الجزيرة العربية، تاريخاً وثقافة وفناً واستشرافاً للمستقبل.
إنَّ تفريعات ما يتصل بالصورة النمطية تثير الكثير من الجدليات البحثية والمعرفية، ولعل مشاركات النُخب العربية عبر هذا الملف، الذي تقدمه (المجلة العربية) في هذا العدد، تفتح الباب أمام المزيد من المداخلات، فأهلاً بكم إلى هذا الملف الجدير بإعادة القراءة. راجياً أن تتضافر الجهود الدولية، وأن تعمل المؤسسات الثقافية والإعلامية، وأخص المنصات الرقمية، بما لها من تأثير بالغ عبر الأجيال الناشئة ضمن هوياتها الجديدة، بعيداً عن تنميطات التصورات المقولبة والمعلّبة، من أجل العمل على خلق عالم جديد قوامه التشارك الأخلاقي والإنساني، محافظين على هوياتنا الخاصة، ومتناغمين بالتعدد والتنوع والاختلاف.

ذو صلة