مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

(الفشل الثاني عشر ).. دراما العزيمة والنجاح

كان (مانوج كومار شارما) طالباً قروياً، لا يجد هو وأسرته ما يسدون به رمقهم، ولا يدرون هل سيأكلون وجبتهم التالية، لكنه تغلب على هذا الفقر المدقع ليصبح ضابطاً نزيهاً في جهاز خدمات الشرطة الهندية. فهيا نتعرف على سيرته الذاتية، ومسيرته من أجل الوصول إلى هدفه، وتحقيق حلمه. وكيف صبر، وضحى، وثابر، وعانى، وعزم، وحسم محاولاته المتكررة، و(من لا يحاول يفشل دائماً).
عمل من أعمال الدراما البوليوودية (من (بومباي) الاسم السابق لمومباي و(هوليوود) مركز صناعة الأفلام الأمريكية)، وما أدراك ما الدراما البوليوودية؟! فيلم (الفشل الثاني عشر) Twelfth Fail ) 2023) من إخراج، وإنتاج، وكتابة سيناريو (فيدو فينود شوبرا). ومن بطولة (فيكرانت ماسي) في دور (مانوج كومار شارما)، و(مدها شانكر) في دور (شرادها جوشي)، و(أنانت في جوشي) في دور (بريتام باندي)، و(أنشومان بوشكار) في دور (جوري بهايا). وتم إصدار الفيلم في 27 أكتوبر 2023، وتلقى إشادة من النقاد على نطاق واسع، حيث بلغ إجمالي أرباحه أكثر من 69 كرور روبية (8,3 مليون دولار أمريكي) في جميع أنحاء العالم. بينما كانت ميزانيته 20 كرور روبية (2,4 مليون دولار أمريكي). وفاز بخمس جوائز منها: أفضل فيلم، وأفضل مخرج، وأفضل ممثل. وهذه الدراما الواقعية مأخوذة بنفس العنوان عن السيرة الذاتية للشاب (مانوج كومار شارما)، المولود في (تشامبال) شمال الهند. وهي مستخلصة من كتاب للمؤلف (أنوراغ باتاك)، وصدر عام 2019. إنها قصة استثنائية لأسرة لرجل نزيه، سخر جهده وقلبه وروحه لجعل المستحيل ممكناً.
حبكة الفيلم
كان الوالد (كومار شارما) رجلاً نزيهاً شريفاً، أوقف عن عمله لامتناعه عن بيع البذور الحكومية في السوق السوداء للتربح من الفلاحين، فاتهم زوراً بضرب ضابط (فاسد). واعتاد الطالب القروي (مانوج) على عمل وريقات الغش لامتحانات الصف الثاني عشر، كما يفعل جميع زملائه في المدرسة المحلية. حيث يبيح (الغش الجماعي) مُعلمون (فاسدون). وعلم ضابط الشرطة المنقول حديثاً للقرية (دوشيانت سنغ) Dushyant Singh، بهذه الجريمة غير الأخلاقية. فقام بإيقاف عمليات الغش في المدرسة، وإحالة المتورطين إلى جهات التحقيق. ونتيجة لذلك ولكونهم اعتادوا الأمر مراراً وتكراراً، ولم يذاكروا دروسهم رسب جميع الطلاب، ومنهم (مانوج).
وفي هذه الأثناء، يغادر الوالد ( كومار شارما) منزله للطعن على قرار إيقافه من العمل أمام المحكمة العليا بالمدينة. ولغياب عائل هذه الأسرة الفقيرة، قرر (مانوج) وشقيقه العمل على حافلة لنقل الركاب. لكن، ذات يوم اعترض طريقهم أحد أتباع (جيش التحرير المحلي) محاولاً إقناع ركاب حافلة (مانوج) وأخيه بالسفر على متن حافلته. فحدثت مشاجرة بين هذا الشخص، وبين شقيق (مانوج). ومن ثم، يقوم ضباط الشرطة المحليون بتلفيق تهمة (تهريب الكحول) لشقيق (مانوج)، ويسرع (مانوج) لينقذ أخيه بدفع كفالة، مستعيناً بالضابط النزيه (دوشيانت سنغ)، وأمام هذه الأحداث، سرت رغبة عارمة لدى (مانوج) في أن يصبح ضابطاً شريفاً مثل (دوشيانت)، ولما صارحه برغبته تلك، نصحه الضابط (دوشيانت) نصيحة يجعلها شعار حياته القادمة: (توقف عن الغش).
وبعد عام، ينجح الطالب (مانوج) في امتحاناته دون غش، وحصل الشاب الجاد المتحمس على البكالوريا، آملاً أن يصبح ضابط شرطة. تمنحه جدته لأبيه كل مدخراتها لينطلق للدراسة في (جواليور)، لكنه يفقد جميع ممتلكاته في طريق سفره، حيث تأخذ امرأة حقيبته أثناء نومه في الحافلة التي كان يستقلها، ونشاهده يواجه محناً شديدة في كل منعطف من منعطفات الامتحانات الصعبة والمستنزفة للجهد من أجل الالتحاق بسلك الشرطة، ولما علم قرار الحكومة إيقاف امتحانات المجموعة الأولى لتخريج ضباط شرطة MPPSC للسنوات الثلاث القادمة، اهتزت ثقته في تحقيق حلمه.
ونشاهده يكافح للحصول على مال لشراء الطعام، ويقدم له صاحب فندق محلي بالقرب من محطة السكة الحديد وجبات مجانية. وهناك يلتقي بالشاب الثري (ببريتام باندي)، الذي جاء أيضاً للدراسة لامتحان PSC، لكن والده يتصل به طالباً منه الاستعداد لامتحانات أخرى UPSC في (دلهي). ويعلم (مانوج) بهذا الأمر، فيسافر مع (بريتام) إلى (دلهي) لإعداد نفسه للتأهل ليصبح ضابطاً في الخدمة المدنية. ويلتقي الشابان بزميل طموح مثابر هو (جوري بهايا) Gauri Bhaiya، الذي خاض عدة محاولات للنجاح في هذه الاختبارات العسيرة دون جدوى. ويوفر(جوري) لـ(مانوج) عملاً، وسكناً. وفي محاولته الأخيرة والنهائية، لم يتمكن (جوري) من النجاح، فافتتح مقهى (Restart) ليقدم فيه أيضاً، خلاصة خبرته، ونصائحه، وتوجيهاته للطلاب الجدد الطامحين في اجتياز هذه الاختبارات الصعبة.
أما (مانوج) ففشل في الفحص الأولي ضمن محاولته الأولى. ولكن بمساعدة (جوري)، تمكن من اجتيازه في العام التالي. وأثناء زيارته لمركز التدريب، التقى بـ(شرادها جوشي)، وهي طالبة في UKPSC، وأشرب قلبه بحبها. وظنته في البداية مهندس طيران، لكنه كان في الواقع خريج أدب، ولم يصحح لها هذا الظن. وبدأ (مانوج) يعمل بدأب ليحصل على ما يعينه على مواصلة تحقيق حلمه. لكنه فشل في اجتياز امتحاناته الرئيسة في ذلك العام بسبب خطأ تافه. وتتضرر علاقته مع (شرادها) أيضاً عندما تعرف حقيقة شهادته. ويسافر محبطاً إلى (موسوري) للاعتذار لها، والاعتراف بحبه لها. لكنها لم تقابله، بل طلبت منه عبر الهاتف من خارج منزلها أن يعود من حيث أتى.
وفي زيارة لمنزله القديم بقريته، يجد أن جدته قد توفيت. فيعود إلى (دلهي) عازماً على اجتياز الامتحان، وتحقيق ما وعد به جدته حين أعطته كل مدخراتها. وليكسب مالاً يرسل جزءاً منه لأسرته، ويغطي نفقات إقامته الخاصة.. يعمل (مانوج) في مطحن للدقيق 15 ساعات، ويدرس 6 ساعات، وينام ثلاث ساعات فقط.
مستذكراً سيرة عالم الفضاء، الرئيس الهندي (عبدالكلام) (أبو بكر زين العابدين عبد الكلام، 15 أكتوبر 1931 - 27 يوليو 2015، الرئيس الحادي عشر للهند من 2002 - 2007) الذي كان يدرس تحت ضوء مصباح الشارع. وتصل (شرادها) إلى فصل التدريب في (دلهي)، وتعتذر لـ(مانوج) لكونها كانت (جافة قاسية) في آخر مكالمة هاتفية بينهما. فتصالحا، وعادت مياه العاطفة إلى مجاريها مرة أخرى. ويجتاز (مانوج) الخطوات التمهيدية، وتعرب (شرادها) عن حبها له.
ونقل (جوري) صديقه (مانوج) إلى منزله طالباً منه التخلي عن العمل بالمطحن، والتركيز بشكل كامل على دراسته. وأخيراً.. نجح في اجتياز الاختبارات الرئيسة، بينما اجتازت (شرادها) بنجاح امتحانات UKPSC الخاصة بها أيضاً. في هذه الأثناء، فشل الشاب (بريتام) في امتحاناته، وينشر شائعات لعائلة (شرادها) للوقيعة بينها وبين (مانوج). فيغضب (مانوج) منه غضباً شديداً. لكنه علم أن (بريتام) كان يريد أن يصبح مراسلاً إعلامياُ، لكن والده ضغط عليه لمتابعة الانتظام في سلك الشرطة المدنية UPSC. فينصحه (مانوج) بتحقيق حلمه.
ومتأنقاً يرتدي ربطة عنق ليجري المقابلة الشخصية للجنة التوظيف. يجيب (مانوج) عن أسئلة الأعضاء بصراحة وصدق، و(الصدق منجاة). واضعاً في ذهنه نصيحة الضابط (دوشيانت): (توقف عن الغش). وفي جلسة استراحة خلال المقابلة يقرأ رسالة كتبتها (شرادها)، تطلب الزواج منه بغض النظر عن نتيجة المقابلة. وبعد شهرين، تعلن النتائج، ويتأهل (مانوج) (العنيد، المثابر) لرتبة ضابط في مصلحة السجون. وبعد عام واحد، يلتقي (مانوج) بالضابط (دوشيانت) في مركز شرطة (مندسور) Mandsaur فيؤدي له التحية العسكرية، بينما يشكره (مانوج) على تشجيعه ونصيحته له. ويتزوج (مانوج) من (شرادها)، ويبدأ (بريتام) العمل كمراسل إعلامي. والخلاصة: (لا تقلق من الأصفار فإنها تحول الواحد إلى ملايين). فرغم الفقر الشديد لم يقبل الأب والابن بالهزيمة أو الاستسلام للواقع، أو بيع النزاهة، أو قبول الغش. ولم يخافا ظلام الخارج، بل خشيا ظلمة ما بداخلهما. ويبقى أنه: إذا لم تعش الحياة التي تحبها فأحبب الحياة التي تعيشها.

ذو صلة