مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

إصدار مكتوب بأقلام كل العرب

إن الاحتفال بمرور نصف قرن على ميلاد صرح إعلامي ثقافي اجتماعي لَيحملُ كثيراً من المعاني في حياتنا الثقافية؛ ذلك لأن المجلة العربية خلال نصف قرن قد رسخت في وجدان المثقفين العرب في بلادنا العربية بلا استثناء، ودخلت كل بيت، ولذلك استحقت اسمها (المجلة العربية)، هكذا بدون الإشارة إلى جغرافيا سياسية أو هوية قطرية، بل هي إصدارة مكتوبة بأقلام كل العرب، وتمتاح مدادها من ألوان الثقافة العربية في محيطها على امتداد العالم العربي الذي فصلت بينه حدود سياسية وهمية، رغم أنه يتحدث بلسان عربي واحد، ويجمع بينه تراث وتاريخ واحد وثقافة عربية كلاسيكية ظلت راسخة ومتغلغلة في تراثنا وثقافاتنا الشعبية ولهجاتنا العامية وكتلته الأرضية المتماسكة من المحيط إلى الخليج.
هذا الثراء والزخر الثقافي ووحدة اللغة يشكل عنصر قوة للعرب، تميزهم عن سائر شعوب العالم، كما قال المفكر الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب: (إنك لن تجد صعوبة في التحدث مع أحد العرب في أقصى المغرب العربي بنفس اللهجة مع عربي في أقصى المشرق).
لهذا حق لنا أن نحتفل بمرور خمسين عاماً على صدور أول عدد لهذه المجلة التي استحقت أن تكون جامعة عربية ثقافية بلا منازع.
إن احتفالنا هذا يستحق أن يكون مناسبة لقيام مؤتمرٍ أو مهرجان ثقافي تقدم فيه المجلة حصادها خلال نصف قرن من العطاء، لنرى كيف كنا وكيف صرنا خلال ما كتبنا وما قدمنا من أفكار في هذا السفر الثقافي العظيم. وحبذا لو أصدرت المجلة كتاباً يحتوي ملخصاً عن أهم الإسهامات والموضوعات والأفكار التي طرحت خلال الخمسين عاماً في سياقاتها الثقافية المختلفة، لأن الأعمال الفكرية لا تُرمى ظهرياً دون إحيائها لإنعاش الذاكرة وشحذ الأذهان. ومما يحمد للمجلة العربية أنها تطورت إلى دار نشر تصدر كتاباً شهرياً هديةً، ويا لها من هدية ثمينة لأهل الفكر والثقافة.
ونحن في السودان وجدنا أنفسنا وأقلامنا في هذه المجلة التي لم تغب عنا، وقد احتلت مكان الصدارة في اهتماماتنا، ومن خلالها نرى أنفسنا والعالم العربي الذي نحن جزء منه، ولهذا الحضور معنى عميقٌ في نفوسنا.
وثمة مغزىً آخر لاحتفالنا بمرور خمسين عاماً على المجلة العربية، ألا وهو نجاح التجربة واستمرارها مقاومةً لكل تحديات العولمة الثقافية والإزاحة السيبرانية لإصدارتنا التي توقفت وعجزت عن الاستمرار، فكثير من المجلات العربية عجزت عن الاستمرار حتى قبل عصر العولمة. إن الأداء المهني والقدرة التنافسية وجاذبية الموضوعات ومواكبة العصر وروعة التصميم والإخراج من أهم عناصر البقاء في عصر الجودة والجدارة.
أتمنى لو استكتبت أقلاماً من الأقليات الناطقة بالعربية في بعض الدول الأفريقية، ففيهم الكتاب والأدباء والمفكرون والشعراء الذين لا يجدون فضاءً يعبرون فيه عن إبداعهم، وفي ذلك إضافة إستراتيجية مهمة لجغرافيتنا الثقافية ولمساحتنا الثقافية الجغرافية والتي أجدر أن تكون في منابرنا الثقافية.
أخيراً أزجي التهنئة والتحية أولاً للمملكة العربية السعودية على اهتمامها ورعايتها لهذا الصرح الباذخ الذي جعل منها قبلة للمثقفين العرب ومثابة لقرائحهم وسرحة لأفكارهم وإبداعاتهم، كما أهنئ القائمين عليها وأسرة تحريرها، ورئيس التحرير الأستاذ محمد السيف، ورؤساء التحرير الذين تعاقبوا عليها. وعلى هذه المناسبة أقترح أن تقيم المجلة ملتقى ثقافياً لكتابها وتكرِّم فيه رؤساء تحريرها الذين تعاقبوا عليها وأبرز الذين أسهموا في إنجاحها ودفعها للصدارة
كل عام وأمتنا العربية بخير.


* وزير الثقافة والسياحة والآثار الأسبق في جمهورية السودان

ذو صلة