مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

50 عامــاً من البهجة والعلم والجمال

ينهض الزمان حولي بكل تجلياته الجميلة، حين يأتي ذكر بعض الصحف والمجلات التي دأبت على تنوير العقول، والإمساك بمظاهر الجمال فيما نعرفه أو ما هو غائب عنا، فيتسع المكان والزمان بالقارئ. من هذه المجلات (المجلة العربية) التي أزعم أن ما فاتني منها قليل، وكانت رافداً عظيماً لي في المعرفة بالقضايا العربية والأدبية والفنية والعلمية والإنسانية، وذلك منذ ظهورها عام 1975 بأمر المرحوم الملك فيصل وبرئاسة تحرير الدكتور منير العجلاني.
لم تكن طريقة النشر عادية تحتفي بالرائع من المقالات أو الحوارات مع نخبة رائعة من الكتاب، لكن انفردت المجلة بتخصيص ملف في كل عدد، يناقش قضية محورية في العلم والأدب والفكر والاجتماع والاقتصاد، كأنها لا تريد للعالم أن يكون بعيداً عن قارئها العربي في كل تجلياته. لم تكتف بذلك بل دأبت منذ عام 1997 على أن يرافق المجلة كتاب في المجالات الإنسانية المختلفة مؤلفاً أو مترجماً، فكانت المجلة وقرينها الكتاب من أجمل مظاهر فوز القارئ خصوصاً والسعر بخس يمكن دفعه بسعادة.
لم تتوقف المجلة العربية عند هذا فقط وهو عظيم، بل صارت مركز ثقافياً تطبيقاً لمبدئها في متابعة العالم وما يحدث فيه من تطورات فكرية وعلمية، وحالة القراء التي تتغير مع العصور، فقد بدأت منذ عام 2010، بتطبيق خطة تطويرية باستحداث عدد من السلاسل، التي جعلت من المجلة مركزاً ثقافياً متسعاً. سلاسل مثل سلسلة (الريادة) وهي سلسلة تُعنى بالتراث الثقافي، وسلسلة (كتاب العربية) لمؤلفين من مختلف البلاد العربية، وسلسلة كتاب العربية الخاصة بالترجمة، وكذلك سلسلة كتب الأطفال. لا يكفي أن نقول إنها منذ صدورها كانت مركزاً للإشعاع الثقافي في أجمل وأعظم وأدق تجلياته دون حسابات فكرية مسبقة. بل اتسعت لكل الرؤى في عالم يضيق بالتعصب. لم تتوقف عند الماضي فقط، بل واكبت العصر في تجلياته المختلفة وعلى رأسها الثورة الرقمية، فرأينا ملفات وأعداداً عن (الرحالة الرقميون) و(رواة العصر الرقمي) و(الشفاهية الرقمية وتحولاتها) و(الأمن السيبراني.. حروب الأرقام الصماء) وغيرها.
باختصار خمسون سنة من المجلة تجعل العالم كما قلت يقف أمامي أنا الذي أقترب من الثمانين عاماً، وهي الصحبة التي لم أتخل عنها ولم تخذلني، رغم مساهماتي القليلة جداً فيها، لكن مساهماتها هي في حياتي الفكرية، وما قدمته وتقدمه، فكانت من أجمل شواطئ زياراتي وقراءاتي. نصف قرن يحيط بي من أشجار الجمال. للمجلة العظيمة وكل من أشرف ويشرف عليها، خالص التحية وأجمل الآمال.
* روائي وأديب مصري

ذو صلة