مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

الثقافة العربية الأصيلة

لقد كانت (المجلة العربية) منذ تأسيسها، ولا تزال، مجلة ثقافية راقية، أصيلة، جامعة، متفتحة، متجددة على الدوام، وهو ما حقق لها الذيوع والانتشار والاستمرارية، وأكسبها مصداقية عالية لدى قرائها الكثيرين من جهة وضمن شقيقاتها المجلات الثقافية العربية الشهرية أو الفصلية أو نصف السنوية من جهة أخرى.
لقد اختطت مجلتنا -المجلة العربية- لنفسها، منذ تأسيسها، نهجاً عربياً واضحاً وهو أن تكون (مجلة الثقافة العربية)، ثقافة العالم العربي كله لا فقط الثقافة العربية في المملكة العربية السعودية الحبيبة، ومن هنا تحقق لها التوزيع والرواج في الأقطار العربية كلها بل في كل البلدان التي فيها قراء يهمهم، من قريب أو من بعيد، شأن الثقافة العربية قديمها وحديثها. أما أبوابها وموضوعاتها فكان فيها نصيب واضح بل كبير، في كل عدد، للفنون والآداب دراسة وإبداعاً وللتاريخ والمواقع والأعلام والقضايا ذات الصلة الواضحة بهذا القطر أو ذاك من أقطارنا العربية. وهكذا يجد فيها القارئ، حيثما كان، ما يمتعه ويفيده ويوسع معارفه ومعلوماته وأفكاره ويشعره بأن ثقافتنا العربية ثقافة واحدة وأنها عروتنا الوثقى التي تجمعنا وتوحدنا وإن كانت لا تلغي تنوعاتنا وخصوصياتنا القطرية والمحلية التي هي طبيعية مفهومة أمْلَتْها ظروف الجغرافيا وأحداث التاريخ.
إن الثقافة العربية، كما عرضتها وأبرزتها (المجلة العربية) خلال سنواتها الخمسين وعمرها المديد إن شاء الله، ثقافة ممتدة في المكان. لكن هذه الثقافة هي أيضاً ثقافة ممتدة في الزمان، وهو ما حرصت على تأكيده وإبرازه مجلتنا العتيدة الرائدة. إننا نقرأ في كل أعداد المجلة مقالات ودراسات وحوارات ونصوصاً تتناول هذا الجانب أو ذاك وهذه القضية أو تلك من تاريخنا الأدبي والثقافي والفكري والحضاري المديد. وعندما تهتم المجلة بالثقافة العربية في امتداديها المكاني والزماني وفي تنوع موضوعاتها وتعدد مجالاتها وفنونها فإنها تقيم الدليل على عراقة هذه الثقافة وخِصبها وإسهامها المتميز في الثقافة الإنسانية والحضارة البشرية.
ولا يفوتني هنا التنويه بحرص (المجلة العربية) على استكتاب الأقلام الباحثة والمبدعة من مختلف الأقطار العربية، ليكونوا مع أشقائهم السعوديين يداً واحدة للحفاظ على الثقافة العربية وتجديدها وتطويرها باستمرار فتجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين العراقة والتجدد. وينبغي أن أنوه أيضاً بحرص المجلة في الحفاظ على اللغة العربية وسلامة ألفاظها ودقة مصطلحاتها وجمال أسلوبها في كل ما تنشره من دراسات ومقالات وحوارات وتحقيقات، وهي بذلك تعد مدرسة في البيان العربي الحديث والفصاحة العصرية. أما الأعداد الكثيرة التي نشرتها المجلة إلى حد الآن من (كتاب المجلة العربية) الشهري -وقد قاربت الآن على الثلاثمئة والخمسين- فتعد موسوعة عظيمة في التراث والآداب والتاريخ والعلوم وكافة الموضوعات ذات الطابع الثقافي، وهي موسوعة لا غنى عنها للقارئ العربي والمستعرب وإنجاز كبير يقدم للقارئ والطالب والباحث والأكاديمي معلومات وحقائق وإرشادات بحثية يَنْدر أن يجدها مجتمعة في غير هذه السلسلة الشهرية الراقية. وبين يدي الآن، وأنا أكتب هذه الكلمة، ثلاثة من هذه الكتب (لغات جنوب الجزيرة العربية، العدد 236 والترجمة العربية من مدرسة بغداد إلى مدرسة طليطلة، العدد 239 والترجمة وتحريف الكلم، العدد 243) النفيسة التي وفرت علي الجهد والوقت وزودتني بما احتجت إليه من دقيق المعلومات والمراجع أثناء إنجازي بحوثاً في تاريخ اللغة والترجمة.
هنيئاً لمجلتنا (المجلة العربية) في عيد تأسيسها الخمسين، وهنيئاً لقرائها وللثقافة العربية بهذا الصرح الثقافي العتيد.


* وزير التربية التونسي الأسبق والأمين العام المساعد السابق لجامعة الدول العربية

ذو صلة