تصلح المجلات الثقافية، وما مرت وتمر به من ازدهار أو أفول على مدار مسارها؛ مدخلاً ملائماً لحكي قصة ثقافة ما. فالمجلات الثقافية أقرب إلى مرآة تعكس حالة المشهد الثقافي الذي تصدر فيه، وإن نجحنا في الإحاطة بأكبر عدد ممكن منها في مشهد ما؛ سوف نتمكن من فهم ما شهده من تغيرات وتحولات، وما خاضه المثقفون المنتمون له من صراعات كبيرة وصغيرة، وما شغلهم من قضايا فنية وجمالية أو سياسية وعامة. سوف نتمكن أيضاً من رسم صورة أقرب للدقة لعلاقة المثقف بسياقه الاجتماعي والسياسي، وما تمر به هذه العلاقة من مد وجزر، خصوصاً أن كثيراً من المجلات الثقافية في عالمنا العربي ذات علاقة ما بالمؤسسة الرسمية، وحتى لو كانت مستقلة، فقد أسسها مؤسسوها رداً على المؤسسة الرسمية أو تفاعلاً معها بشكل أو بآخر، ولو عن طريق الرفض والاعتراض.
في عالمنا العربي، لا تنجح كل المطبوعات الثقافية في المواصلة والاستمرار، إذ يضطر كثير منها إلى التوقف، ويواصل بعضها الصدور بتأثير أقل كثيراً من تأثيره السابق، لأنه يفقد علاقته باللحظة الراهنة فيفاجأ بنفسه وقد أصبح خارجها أو على هامشها، في حين تظل قلة قليلة من المجلات الثقافية قادرة على تجديد نفسها والتكيف مع المتغيرات من حولها، وبالتالي تبقى مواكبة لعصرها وقادرة على رفد محيطها بالجديد فتساهم في تحديثه وتضع نفسها في موقع القلب من حراكه الثقافي والمجتمعي.
أن تبقى مجلة ثقافية لخمسين عاماً، وأن تواصل العطاء والتأثير على مدار هذه العقود أمر يستحق التقدير. وما يحسب لـ(المجلة العربية)، التي نجحت في تحدي البقاء والفاعلية، أنها تهتم بالثقافة بمعناها الأوسع بحيث تنفتح، إضافة إلى الأدب، على الفلسفة والفكر والعمارة والموسيقى والسينما والثقافة الشعبية. وتنفتح أيضاً على الثقافات الأخرى وتتفاعل معها، وهو أمر مهم للإثراء والتلاقح الثقافي، فالذات تغتني بتعرفها على الآخر وتفاعلها معه تأثراً وتأثيراً، والانغلاق على الذات آفة لا تستقيم مع الرغبة في البقاء والازدهار.
في النهاية، يهمني التأكيد على أن ارتفاع أرقام التوزيع واتساع دوائر المقروئية أمران مهمان، لكن مقدار تأثير المجلات الثقافية في رأيي لا يتحدد بهما فقط، بل يمتد أيضاً وبالأساس إلى ما تقدمه كل مجلة من مواهب جديدة وما تضيفه إلى مشهدها الثقافي وما تقوم به من تقليب للتربة وإضافة إلى عالم النشر وصناعة الكتاب، ومن هنا تأتي أهمية حرص المجلة العربية على إصدار كتاب شهري.
*روائية مصرية ومدير التحرير التنفيذي لجريدة (أخبار الأدب).