عندما تعرفت على المجلة العربية قبل أزيد من خمس عشرة سنة، عن طريق أحد الطلبة، واطلعت على محتواها، وجدتها مجلة ثقافية منفتحة على مختلف المجالات الأدبية والفكرية والتربوية والتراثية...، ومصدراً لنهل المعرفة، واكتشاف الثقافات الأخرى. وكذا الاطلاع على آراء ومواقف العديد من المبدعين والنقاد العرب، وعليه، فـ(العربية) تعد منصة للنقاش وتبادل وجهات النظر للعديد من الكُتاب الذين تكررت أسماؤهم بين صفحاتها.
اطلاعي على ركن إبداع بمجلة (العربية)، جعلني أستمتع بدفء النصوص الجميلة، والسفر بين عوالمها المشوقة، والتعرف على خصوصية وتفرد النصوص الإبداعية العربية عن غيرها من الإبداعات الغربية، -على الرغم من ضيق المساحة المخصصة للقصة والشعر-. لم أتردد في مراسلة العنوان البريدي المثبت على المجلة، من أجل نشر قصة قصيرة. كانت المجلة كريمة معي، عندما فاجأتني بنشر القصة بعد ثلاثة أشهر أو أربعة مع مكافأة مالية، شكل الحدث بالنسبة إلي -وأنا في بداياتي الأولى- حافزاً للمزيد من الكتابة والإبداع. الحدث لازال موشوماً في ذاكرتي، ومنذ ذلك العهد، وأنا لا أفوت مناسبة الاطلاع عليها سواء عبر اقتناء النسخة الورقية، أو تحميل أعدادها من الموقع الإلكتروني.
شاعت (المجلة العربية) بين القراء والكتاب المغاربة، فأصروا على أن تكون لهم مساهمات متنوعة ضمن أعدادها، وكان لهم ذلك، خصوصاً وأننا نعلم جيداً أن أغلبية المجلات الثقافية، تغلق أبوابها في وجه الكتاب الشباب والمغمورين، وتسلط الضوء على الأسماء المكرسة/ المعروفة، لتمنح المجلة إشعاعاً، وترفع من نسبة مبيعاتها، لكن (المجلة العربية) لم تكن تهتم باسم صاحب النص أو مكانته في المشهد الثقافي، بقدر ما تتعامل مع أهمية النص وما سيضيفه للمجلة، وهذا ما يميزها عن المنابر الثقافية الأخرى سواء المغربية أو العربية، وهنا أفتح قوسين، لأتساءل عن سبب هذا الإقصاء الذي يطال الأقلام الشابة والمغمورة التواقة إلى إيجاد مكان لها في الساحة الثقافية؟
أعترف أن تجربتي مع المجلة العربية، كانت فريدة في أحد أعدادها الذي تناول ملفاً عن الورد، وكنت من عشاق هذه النبتة الفريدة والمتفردة، لذلك لم أتردد في قبول دعوة الصحفية التي دعتني إلى المشاركة، فكتبت مقالاً بعنوان (رمزية الورد في المغرب وأبعاده الثقافية) وذلك خلال العدد الصادر في أغسطس 2015، تحدثت فيه عن ثقافة الورد في المغرب، ودوره في حياة الإنسان، وحضوره الضروري في كل المناسبات الاجتماعية والثقافية، مع الإشارة إلى احتفائنا به سنوياً عبر مهرجان الورد بمدينة (قلعة مكونة). فنشر المقال على صفحات المجلة، وخصص له حيز مهم آنذاك مع صور معبرة عن الموضوع.
ما يميز المجلة العربية هو ذاك التنوع الذي تعرفه صفحاتها، فهي شاملة ومتنوعة، تضم النصوص القصصية والشعرية، ومقالات ودراسات أدبية متنوعة، وحوارات مع شخصيات أدبية وفكرية وفنية مهمة، كما تستحضر العديد من الأعلام العربية والغربية، وترجمات مختلفة. كما تنفتح على مواضيع مهمة، تخصص لها صفحات مهمة خلال كل عدد، من إنجاز ثلة من الأدباء والنقاد من مختلف الدول العربية، مما يمنح الموضوع تكاملاً وإضافة نوعية ومهمة، في ظل اختلاف جنسيات المساهمين في العدد، وتعدد آرائهم ومشاربهم وتنوع زوايا مقاربتهم للموضوع.
وقد انفتحت العربية في أعدادها السابقة على التعليم، والتكنولوجيا، والتاريخ، والثقافة الشعبية…، كما انفتحت على الفن في مختلف أنواعه: التشكيل، السينما، الموسيقى، المسرح، الكاريكاتير...، وتجدر الإشارة إلى ركن مهم تتميز به المجلة العربية خلال كل عدد، هو ركن (تراث)، والذي يسلط الضوء على التراث الإنساني المادي واللامادي: العادات والتقاليد، الأساطير، العمران، والمعالم الأثرية والتاريخية التي تتميز بها الحضارات العربية. وهذه الموضوعات التي تتطرق إليها المجلة، تخول لها القيام بالدور التنويري والتثقيفي في العالم العربي.
الآن، وبعد مرور خمسين سنة على انطلاق المجلة، يحق لها أن تفتخر بإنجازاتها وانتشارها وما راكمته من أعداد، وقاعدة كبيرة من القراء والكُتاب، وعلى الرغم من التوقف الاضطراري الذي طال الكثير من المجلات العربية، وتحول بعضها إلى النشر الإلكتروني، فقد ظلت العربية صامدة في وجه الرياح، بطبعتها الأنيقة، ومحتواها الهادف، واحترافها في التعامل مع الكُتاب، وتقديرها للإبداع الأدبي والبحث العلمي. وبالتالي، تمكنت من جذب اهتمام القارئ العادي والنوعي، بمختلف ربوع العالم العربي، عبر سعيها الدائم إلى تجديد موادها وموضوعاتها، ومواكبة التطورات الثقافية التي يعرفها العالم.
* رئيسة الراصد الوطني للنشر والقراءة - مديرة نشر ورئيسة تحرير مجلة الصقيلة في النقد والإبداع