مجلة شهرية - العدد (576)  | سبتمبر 2024 م- ربيع الأول 1446 هـ

عِطْرُ الخُلاصة

كيف تشكو وفي فؤادكَ منجَمْ؟
        وعلى نبضِكَ المسافةُ تلْتَمْ؟

إن يكنْ مؤلماً نشيدُ العصافيـ
        ـرِ على رقصةِ الضحى، فتألّمْ

أو يكنْ موجِعاً هُيامُ العشيّا
        تِ على غمزةِ السُّها، فتظَلَّمْ

أو تكنْ بسمةُ الغمامة للعُشْـ
        ـبةِ غمّاً، فابسُط همومَك واغتَمْ

يا صديقي، ولم أزلْ أتراءى
        فيك أن تدفنَ البكاءَ المحرَّمْ

كن حفِيّاً بالصبحِ إذْ جاء يعدو
        في يديه ضوءٌ وفألٌ وبَلسَمْ

ونَجِيّاً للّيلِ، فالليلُ -حتى
        لو قسا مرّةً- حكيمٌ مكرَّمْ

عِشْ كما تشتهي الخمائلُ رَهواً
        ومُرِ العينَ أن تَنَزَّهَ والفمْ

وتبتّلْ فيهنَّ عطراً ولحناً
        مَعْبَديّاً، واقرأْ حُبورَكَ وافهمْ

تجدِ الأرضَ لعبةً تتنزّى
        وضلوعَ الدنيا صبايا تَبَسّمْ

وترَ الأفْقَ يسكبُ الكونَ خمراً
        من يذقْ سُكرَها، على الصحوِ يندمْ

وتأبَّطْ يدَ الرياحَ يسافرْ
        في حواشي الأرواح برقٌ متيَّمْ

أنت إن شئتَ أصبح الشوكُ زهراً
        وإذا شئتَ فاضتْ الأرضُ زمزمْ

***

علمتني الحياةُ أن سواداً
        في بياضٍ أجلُّ حسناً وأوسَمْ

لم تكنْ لي يوماً بياضاً سخِيّاً
        كان فيها من سائر اللونِ معلَمْ

وبألوانِها العرائسِ تُدني
        ما تناءى، وقد تَشِحُّ وتَشْأمْ

لو صفتْ للورى -وأيانَ تصفو؟-        
        لم يَقْلْ عَمْرُ للبلاد: (كأنْ لمْ)

ذا مِزاجُ الحياةِ شِدْ لك فجراً
        وتَزاوَرْ عن ضَحْوةٍ تتهدّمْ

***

لستَ تهتمُّ بالجمال؟ حبيبي
        هل تبالي الزهورُ إن كنتَ تهتمْ؟

وإذنْ فانتعلْ أَساكَ وأهدِرْ
        ما تبقّيتَ من فؤادك والدمْ

واحترِبْ والزمانَ واحْسُ دِناناً
        من نبيذ الشقاءِ والبؤسِ واتْخَمْ

وانتَعِلْ ظلمةَ المساري وسوِّدْ
        دفترَ الظنِّ، وامحُ وجهَك واهْرَمْ

وانتبِذْ في المدى مكاناً قصِيّاً
        وارقُبِ المعجزاتِ، لو كنتَ مريمْ!

سوف يبقى خصمَ الوَضاءةِ كهفٌ
        كلما صفّقت له الشمسُ أظلمْ

***

لا تحاولْ فهمَ الوجودِ جميعاً
        بعضُ حُسنِ الوجودِ أنْ ليس يُفهَمْ

ذو صلة