مجلة شهرية - العدد (576)  | سبتمبر 2024 م- ربيع الأول 1446 هـ

بين عامين

عام مضى وعام وافد، فالماضي انسابت أيامه ولياليه من بين أيادينا دون شعور منا.
قال (ابن الملوح):
فأصبحت من ليلى الغداة كقابض
على الماء خانته فروج الأصابع
وقال هلال بن العلاء:
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض
على الماء خانته فروج الأصابع
وعام وافد، علمه عند رب الكون، قال سعود الشريم:
عام مضى عنا وعام مثله
ومضت شهور إثرها أعوام
ذقنا حلاوتها وذقنا مرها
فكأنّ ذكرانا لها أحلام
وكأن شيئاً لم يكن حين انقضى
وكأن أعواماً مضت، أيام
فاعمل لدار لا يبيد نعيمها
هي للعباد الصالحين مقام
الإنسان بين مودِّع وقلبه وجل ومفارق.
ومرحب وقلبه خائف ومترقب.
نحن بين الرجاء والخوف، غير أن أملنا في خالقنا أقوى وآكد، أعمارنا تُرحّل بين الأيام، من يوم ليوم ومن سنة لسنة، وعلى الأوراق تتغير الأرقام، غير أن الواقع غير ذلك.
فالكبير يتقاصر عمره فينطبق عليه ما قاله أحدهم، وقد بلغ به الكبر (للحجاج) عندما سأله:
كيف نومك؟ فأجاب: أنام في المجمع وأصحو في المهجع.
وكيف مشيتك؟ فأجاب: تعثر لي البعرة وتعقلني الشعرة.
وكيف جلوسك ووقوفك؟ فأجاب: إن هممت بالجلوس سحبتني الأرض، وإن هممت بالوقوف مسكتني.
وكيف مطعمك؟ فأجاب: إن أكلت مرضت وإن تركت هزلت.
والصغير يكبر عمره.
الحياة فيها تضاد، بين نكوص ومضي.
أعمارنا تتأرجح بين النقصان والزيادة.
آمالنا تزيد كلما كبرنا، وأحلامنا تتعدى الآمال، غير أنه لن يتحقق إلّا ما قد قدره رب الكون والمتصرف فيه.
الأهل يتمنون أن تمضي الأيام ليكبر الصغير، والكبير يخشى ويخاف من قادم السنين.
الحياة تتأرجح بين الخشية والخوف والرجاء والأمل.
قال الشاعر فضل العماري:
عجبت لأمسي كيف كان صباحه
وكيف مضى يومي وما أنا عالم
حسبت سنيني كلها فوجدتها
بها الأنس نزر مثلما مر حائم
فما دارنا هذي سوى درب سائر
سيعبر فيه كل من هو قادم
وقال عبدالكريم الجهيمان:
على جنبات هذه الأرض نمشي
زماناً ثم ندفن في ثراها
ويأتي بعدنا قوم فقوم
يعيشون الحياة كما تراها
يذوقون النعيم بها وطوراً
يذوقون المرارة من أساها
وكم قد مضى من ألف جيل
على منوالهم نخطو رباها
وليس يعاد للإنسان دهر
إذا صفحاته يوماً طواها
وقال إبراهيم الباروني:
ليست حياة المرء في الدنيا سوى
حلم يجر وراءه أحلاما
والعيش في الدنيا جهاد دائم
كظبي يصارع في الوغى ضرغاما
نرجو أن يكون عامنا هذا عام خير وبركة على بلادنا وسائر البلدان الإسلامية.

ذو صلة