مجلة شهرية - العدد (576)  | سبتمبر 2024 م- ربيع الأول 1446 هـ

إنهم لا يسرقون السعادة منكم

من العبث أن أبدأ حكايتي هذه بتعريف السعادة فقد استهلك المفكرون والفلاسفة والكُتّاب وغيرهم أوقاتاً طويلة في التنقيب والبحث عن معناها لغة وشرعاً واصطلاحاً ومشاعر إلخ. لأنها (أي السعادة) نسبية حسب اعتقادي فما يُسعد (س) قد لا يسعد (ص)، وما تراه (م) مبهجاً للنفس قد يراه (ك) مُعكِّراً لها وهكذا.
مع أن معظم الناس يرون السعادة في المباهج والملذات المادية أو الفسيولوجية ومن هؤلاء الفيلسوف الإنجليزي جيرمي بنتام المنافح عن فكرة (مبدأ السعادة الكبرى).
طرح مؤلف كتاب (صناعة السعادة) وليام ديفيز سؤالاً مفاده: إن كانت السياسة لم تعد تُشغل نفسها بقضايا مُجرّدة مثل العدل أو الحق الإلهي فبأي شيء ستنشغل بدلاً عنها؟ فكانت إجابة صاحبنا بنتام إن السعادة هي حكاية كل الأزمان وحتى يثبت منطقية رؤيته تلك يُشير إلى أن الطبيعة قد وضعت البشر تحت سيطرة سيدين مهيمنين هما اللذة والألم. أي الأساس الفسيولوجي الراسخ في كل البشر.
منظمة الأمم المتحدة، وهي ترى نفسها مرجعاً لكل أمم هذا الكوكب، تدخّلت بدورها في حكاية السعادة. ألا تبحث الأمم والشعوب عن السعادة؟ لم لا تُدلي إذاً بدلوها لاسيّما والبعض يعتبرها (أي المنظمة) كالأم بالنسبة للأسرة لا يفرح أفرادها إلا حينما تقرر هي متى يفرحون. لذا قررت المنظمة تحديد يوم عالمي يتلهى فيه الناس، كل الناس عن همومهم. فتم الاتفاق على إقرار يوم 20 آذار/مارس من كل عام يوماً للسعادة وذلك اعترافاً منها بأهمية السعادة والرفاه بوصفهما قيمتين عالميتين يتطلع إليهما البشر في كل أنحاء العالم.
 احتفل الناس وتبادلوا التهاني وأوهموا أنفسهم بأنهم سعداء حتى وإن كانوا تعساء, وبعد مرور 24 ساعة فقط عادوا إلى حقيقة أوضاعهم؛ هل عليهم انتظار عام كامل حتى يحل عليهم تاريخ 20 مارس ليحتفلوا من جديد؟
 في اليوم العالمي للسعادة عام 2019 قامت الأمم المتحدة من خلال أحد أقسامها بسؤال شريحة منتقاة من الأفراد إناثاً وذكوراً على اختلاف بلدانهم وثقافاتهم وأيضاً أعمارهم عن ماذا تعني لهم السعادة ونشرت ردودهم في صدر موقعها الإلكتروني على الشبكة العنكبوتية فكان معظمهم يراها في:
- رؤية أفراد العائلة والاجتماع بالأصدقاء بشكل دائم.
- تمام الصحة ورفاه العائلة ومكان العيش الآمن.
- تحقيق أعلى المستويات وبالذات في التحصيل العلمي.
- زيارة أماكن بعيدة وتعلم أشياء مختلفة.
- العيش في بيئة جميلة ونظيفة.
- الحريّة.
- التطوّع لخدمة المنكوبين ومساعدة الآخرين.
- استنشاق رائحة القهوة صباح كل يوم.
- القيام بأشياء مختلفة عن المعتاد.
- كل فعل يجعل أيام التقاعد مريحة.
- الطعام اللذيذ والرياضة ممارسة ومتابعة.
الآن.. يبدو من تحليل تلك المفاهيم أنها تقترب بشكل أو بآخر مما قال به السيد بنتام أن الطبيعة قد وضعت البشر تحت سيطرة سيدين مسيطرين هما (اللذة والألم).

ذو صلة