تزخر المملكة العربية السعودية بالعديد من المواقع المهمة تاريخياً وأثرياً، ومنها موقع جبة الأثري الواقع غرب منطقة حائل بمسافة 90 كم تقريباً، وسط مجموعة من الجبال الرملية، وقد تم اختيار هذا الموقع لأهميته التاريخية إذ يعد موقع جبة أقدم وأكبر وأعرق موقع أثري، حيث يضم نقوشاً صخرية متنوعة، وهو بمثابة متحف فني يرصد لنا تاريخ الشعوب القديمة، وتكمن أهمية هذا الموقع التاريخي كونه يوثق مهارات الإنسان القديم وقدرته على كيفية نقش هذه الرسومات التي تشير إلى دلائل عديدة كالفكر والمعتقدات والحضارة والحياة الاجتماعية في تلك العصور.
يمتد موقع جبة الأثري لمسافة 300 كم من الشمال إلى الجنوب، و400 كم من الشرق إلى الغرب في رقعة شاسعة من الصحراء، وذلك مما يدل على أهميته التاريخية العريقة واتساع رقعته الجغرافية، وقد تحتوي النقوش المنتشرة في الموقع على عدة رسوم مختلفة مثل: الحيوانات - النباتات - مشاهد الصيد - الحرب - الرقص... وغيرها العديد من الرسومات، وقد تكون مصحوبة برموز وعلامات مختلفة تدل على معتقدات وفنون تلك الحضارات في ذلك الوقت، وقد تشير الدراسات والأبحاث العلمية إلى أن أقدم المستوطنات البشرية في المنطقة تعود إلى العصر الحجري الأوسط، حيث تم اكتشاف موقعين أثريين يعود تاريخهما إلى الفترة ما بين 40 – 80 ألف سنة قبل الوقت الحاضر، يقع الموقع الأول في الجبل الشهير جبل أم سنمان، وتعود تسميته بهذا الاسم كونه يشبه إلى حد كبير الناقة ذات السنامين، وهذا مما يدل على أن الإنسان قد سكن المنطقة منذ آلاف السنين.
يحتوي موقع جبة الأثري على ثلاثة جبال صخرية ألا وهي جبل أم سنمان، جبل وقد، جبل الأشعري. وقد اقتصرت المعثورات الأثرية من خلال عمليات المسح على آلاف من الرسوم والنقوش الصخرية الهائلة جاءت على أشكال بشرية وحيوانية، بالإضافة إلى ذلك أيضاً تم العثور على نقوش ثمودية.
تمثلت الرسوم البشرية نحو 15 % من إجمالي الرسوم، في حين قد بلغت نسبة رسوم الأبقار قُرابة 20 % والجمال بلغت 34 %حيث بلغ عدد رسوم الجمال وحدها ما يُقارب نحو 1378 رسماً، أما العدد الإجمالي للرسوم المسجلة في جبة فقد بلغ نحو 4028 رسماً، تعكس هذه الرسوم الحياة التي عاشها الإنسان القديم في تلك الفترات ما قبل التاريخ فكان يعبر بتلك الرسوم، فوجود رسم للأبقار يدل على توافر المياه والأمطار والزراعة أيضاً، ووجود رسوم للإنسان وهو يحمل القوس يدل على ممارسته للصيد، وقد قسم علماء الآثار الرسوم إلى ثلاث مراحل زمنية متتالية، تبدأ بالمرحلة الأقدم وهي التي رُسمت فيها الأشكال البشرية والحيوانية معاً باتجاه الشرق، ثم المرحلة الثانية التي رُسمت فيها الأشكال منفردة ومتفرقة تماماً، ثم المرحلة الثالثة والأخيرة هي الأحدث التي رُسمت فيها الأشكال بحجم أصغر.
تنوعت أشكال الرسوم البشرية في جبة بين ثلاثة أنماط رئيسية تعكس من خلالها الفترات الزمنية المختلفة، بدءاً من العصر الحجري الحديث وحتى العصر البرونزي، إذ يعتبر موقع جبة التاريخي الأثري شاهداً حياً على عظمة الحضارات التي مرت على أرض المملكة العربية السعودية منذ القدم، وتكمن أهميته في كونه أقدم وأكبر موقع أثري يضم نقوشاً صخرية متنوعة، لذلك استحق هذا الموقع بأن يتم تسجيله في منظمة الأمم المتحدة (اليونسكو) في عام 2015 إلى قائمة مواقع التراث العالمي.
كانت جبة محطة رئيسة للمستشرقين الغربيين الذين زاروا الجزيرة العربية تحديداً منطقة حائل، وذلك نظراً لموقعها الجغرافي المميز الذي يقع على طريق القوافل للرحالة مما مكنهم للوصول إلى جبة بكل يسر والتعرف على ذلك الموقع الذي أصبح الآن متحفاً فنياً، وشاهداً تاريخياً لأهالي المنطقة ويجذب الزوار والسائحين لمشاهدة حياة ومعتقدات الإنسان القديم وشهادته على مهارة وإبداع الإنسان منذُ القدم.
أصبحت جبة الآن أحد المعالم السياحية والتراثية في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية، وتعد من أكثر الأماكن المليئة بالكنوز الأثرية والتي يرتادها السياح والزوار للكشف عن تلك الكنوز.
مشروع تهيئة جبة التراثية
تم إنشاء مشروع: تهيئة وتطوير مواقع التراث العمراني والأثري في جبة التراثية والمواقع المجاورة لها، وذلك بتنفيذ ممرات للمشاة ومنصات للمشاهدة، بالإضافة لذلك السلالم الخشبية القوية التي ترتبط بالمنصات لمشاهدة الرسوم الصخرية والتعرف عليها، وقد حرص المشروع على وضع اللوحات الإرشادية التي توضح للزائر أو السائح تاريخ الرسوم والنقوش ومعناها، أيضاً تم تركيب مظلات تحمي الزوار والسائحين من أشعة الشمس.
لذا ينبغي علينا أن نحافظ على مواقعنا التاريخية العريقة في جميع مناطق المملكة العربية السعودية وأن نبرزها كوجهة سياحية وأثرية لبوابة العالم.