مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

الهجن إرث باقٍ ويمتد

عُرف سكان الجزيرة العربية باهتمامهم الكبير بالإبل، بشكل عام، والهجن على وجه الخصوص؛ لكونها أهم وسيلة للتنقل، وتأتي بعدها الخيل التي تعرف بسرعتها، لكن قدرتها على التحمل قليلة، فلا تحتمل البقاء لأيام دون طعام، لذا دعت الحاجة أن يطوعوا الإبل لتلبية متطلباتهم، وفق صفات معينة، تميز الهجن عن باقي الإبل. فالهجن من الناحية الجسدية أصغر حجماً، يميزها طول الرقاب وقلة الوزن، فهي تخضع للتدريب من الصغر على حصص معينة من الطعام والماء، تمهيداً لترويضها للركوب، الذي بدوره ينقسم إلى أربع مراحل، يقوم بها المضمّر، وهو الشخص المسؤول عن ترويض الهجن. تبدأ المرحلة الأولى بعمر ثلاث سنوات، يتم بها ربط رأس الذلول وتعليق الطرف الآخر بالأشجار حتى تقاوم بثقلها هذا الحبل، ثم تخضع للأمر الواقع؛ والمرحلة التي تليها يوضع شداد من الخشب على ظهرها، ويربط بحبل من الصوف أسفل البطن، ثم يركبها المضمّر بعد قلصها في الهجن المروضة سابقاً، لتدريبها على الاستجابة لاتجاهات العصا وعلى الجري البطيء؛ أما الخطوة الأخيرة، فهي الجري السريع، وتكون هذه المرحلة بالتدريج، فيتم بها فك القلص، وتقليل الماء والطعام، وتبدأ بكيلوين وتنتهي بعشرة أكيال.
الهجن من الموروث الثقافي غير المادي، ولا تقتصر فائدتها على التنقل، فعند السلم يتباهى بها الملاك، بالمشاركة بالريس الذي أصبح لاحقاً سباق الهجن، ولها حظوة كبيرة من اهتمام الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، فأهم ركائز استرداده ملك آبائه وأجداده، بعد إرادة الله ثم عزيمته وإقدامه؛ هو قوة جيشه الذي يتنقل على ظهور الهجن الملقبة (ريمات)، والتي بدورها يسرت مشقة الطرق، وقربت المسافات. تغنى الشعار فخراً بالملك عبدالعزيز ورجاله، وبجهودهم التي شهدتها أصايل الهجن:
نذكر منها قصيدة الفارس والشاعر عبدالله الصبي:
في ضحى الكون دورني وتلقاني
في ذرى بيرق الريمات يبرن له
بالمشوك نطوع كل فسقاني
لين يركب على التوحيد والمِلة
شيخ كل الجزيرة طير حوراني
لو تقولون هذاك قلت لا بالـله
مروي السيف أبو تركي ذرى العاني
في ضحى الكون لرقاب العدا سله
ومن صور حرص الملك عبدالعزيز على أصايل الهجن أنه خصص رجالاً للإشراف على خدمتها، من رعاية وتدريب، فالهجن تحظى بمكانة كبيرة في نفوس العرب، يهديها الملك إكراماً لشيوخ القبائل ورجاله المخلصين من الفرسان، لعلمة أنهم يدركون قيمتها وأصالتها. وللملك عبدالعزيز من الهجن (مصيحة) التي ذخرها للتدخل السريع في الأمور العاجلة - قبل استخدام البرقيات، فلا يقتصر اهتمامه بالهجن على التنقل، بل لعبت دوراً في حفظ الأمن وإرساء دعائمه، فكان أول قطاع عسكري في عهده هو ما يعرف الآن بسلاح الحدود الذي عينه لحفظ الأمن ومراقبة الحدود، هم الهجانة يتنقل الرجال بالهجن للتأكد من استتباب الأمن وحفظ الحدود من أي تعدٍّ، كما كان للهجن دور في التنقل للتنقيب عن النفط، ويستدلون بها في عبور الطرق اليسيرة للسير، وتحديد نقاط إنشاء الطرق، تمهيداً لعبور السيارات. وبعد اكتمال عمليات التوحيد استقر الأمن وتنوعت المواصلات؛ لكن لايزال هذا الموروث يحظى باهتمام كبير من الملوك، ويقدمون له الدعم المعنوي والمادي، فأصبح سباق الهجن حدثاً سنوياً يقام احتفاء بالتراث الوطني، يشارك به الملاك والهواة، متباهين ومفتخرين بهذا الإرث الذي لايزال يحظى باهتمام متوارث إلى عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله، مخصصين لهذا الإرث دعماً ملكياً سخياً، وتنظيماً إدارياً، مع إعلان رؤية 2030 التي أولت التراث دعماً كبيراً، فتم إنشاء الاتحاد السعودي للهجن، وإطلاق مهرجان ولي العهد لسباقات الهجن، وإنشاء الهجانة الملكية إحياء للمورث وللتعريف به خلال المراسم الملكية والاستقبالات الدولية، وتوّجت هذه الجهود بانضمام سباق الهجن إلى موسوعة جينيس، وختاماً تم بعهده أدامه الله تسمية 2024 بعام الإبل.

ذو صلة