مجلة شهرية - العدد (576)  | سبتمبر 2024 م- ربيع الأول 1446 هـ

العدو الخفي

لم أكن أعلم أن تحت جلودهم دماً متجلداً، ووراء أعينهم كرهاً دفيناً! وأن قلوبهم تنبض فقط لتراك ميتاً أمامها! بل كنت أعلم ومنذ اللحظة الأولى التي وطأت قدمي ذلك المكان، إلا أنني لم أرغب في تصديق ذلك. كان يصعب علي تقبل وجود مخلوق صغير ضعيف حاقد يحوم من حولي على أمل أن ينهش مني أي شيء ولو كان الاهتمام أو حتى ملاحظة وجوده فقط، لذا تجاهلت ذلك أيضاً. ربما لأنني أكره الاعتراف ببعض الحقائق كالقول إن أشد الناس عداوة لك هم من بني جنسك! عشت هذه المقولة لعدة مرات وما زلت أجاهد إنكارها وكأنما بالاعتراف بها سيتغير شيء ما، وسيفتح أمامي باب جديد من أبواب جهنم!
- أتكرهين أنك امرأة أم تكرهين أنها عدوتك؟
- على العكس تماماً، أنا أحب حقيقة أنني امرأة وأكره تبعات ذلك، ولا أعني هنا أية حقوق ومطالبات أو هتافات خاصة، فأنا أهتف بالعدالة للجميع حتى للجمادات! إنما أكره وجود تلك المخلوقات الهشة التي ترغب بك رغماً عنك وإلا ستسعى جاهدة للنيل منك!
- وهل هذه المخلوقات إناث أم ذكور؟
- كلاهما، ولكن تذكر بأن خلف كل رجل امرأة!
- لحظة واحدة! لقد أخطأت القول هنا! فهي وراء كل رجل عظيم امرأة! وليس خلف كل رجل امرأة!
- وما الفرق إذن إن كان حتى عظيمهم لم يستثنَ ولم يسلم!
ضحك بصوت عالٍ وقال:
- أحسنت، كان رداً جيداً! حسنا الآن، بناء على قولك هذا فإن عدوك الحقيقي والأول هو المرأة وليس الرجل؟
- دعني أصفها بالعدو الخفي الذي لطالما تمنى أن تتم ملاحظته إلا أنه يغرق بالخفاء وحيداً.
- حسناً عدوك الخفي هو المرأة.
- هي امرأة خلف ياقة رجل ضعيف يخشى الاعتراف بعمره حتى لا نسمع صوت القطار الذي رحل عنه وتركه خلفه بائساً وباحثاً عمّن تقبل به وإن كان بمقابل مادي يسعدها.
- لحظة واحدة! بدأت أفقد تركيزي الآن! يبدو وكأنك ستنطقين باسم محدد وليس مجرد حديث عام.
- يعز علي ذلك، فأحب الناس إلى قلبي تحمل ذات الاسم!
- يا للسخرية! أكلتاهما تحملان الاسم ذاته!
- نعم! وكأنما الحياة تذكرني بأنه ليس كل النساء امرأة، وليس كل امرأة هي عدو خفي ناقص.
- وهل تظنينها تعلم بأنها ليست خفية عليك؟
- صدقني إنها تتمنى أن ألاحظ وجودها وإن كانت تخشى أن أعلم حقيقتها!
- أليست هذه إحدى صفات النرجسي؟
- لا أعلم، ولكن حتماً هذه إحدى صفاتها الكثيرة والتي بالرغم من كثرتها إلا أنها مازالت تعاني من النقص الفاحش.
- ولمَ وصفته بالفاحش!
- أشعر برغبة ملحة لتذوق شيء حلو يغير من هذه المرارة! دعنا نتحدث عن حبيبة قلبي تلك.
- ألهذه الدرجة تحبينها؟
تنهدت بعمق وقالت:
- هي صديقة الروح ونعمة الرب علي! بل هي الجوهرة الحقيقية التي رزقت بها من بين تلك الأحجار الرخيصة.
ابتسمت عيناه لها قبل شفتيه وقال بصوت خافض:
- أنا حقاً سعيد لسماع ذلك، معك حق كنت فعلاً أحتاج لتذوق شيء حلو!
نهض فجأة وتوجه نحو خزانة المطبخ ليصرخ بحماس قائلاً:
- في الواقع ما زلت أرغب بتذوق شيء حلو، يوجد هنا قطعة حلوى واحدة أترغبين بالمشاركة؟
ضحكت قائلة:
- أليس بالمشاركة تزداد المتعة؟ ثم إنني لن أتركها كلها لك!
- تباً! إنك أنتِ عدوّي الخفي!
كان صوت ضحكاتهم العالية كفيلاً لإحياء كل شيء من جديد!

ذو صلة