مجلة شهرية - العدد (576)  | سبتمبر 2024 م- ربيع الأول 1446 هـ

الافتتاحية

يولد الإنسان فتنشأ معالم هوية المكان في التشكل لديه من الأرض التي احتضنت خطوه الأول، كأن تكون مباني القرية أو الهجرة أو الريف، والحي أو زقاق الشارع والحارة في المدينة، فضلاً عن كون تلك الهوية مرتبطة بطبيعة الجغرافيا المحتضنة، ساحلية أو جبلية أو صحراوية أو غيرها.
بعد ذلك تمضي هويات الأماكن والمدن تتنامى بارتحال الإنسان وانتقاله من مكان إلى آخر، في صوة تتخلد معها هوية تلك المدينة عن تلك، عبر جملة من المقومات أبرزها هوية المعمار السكاني الذي يميز طرازاً معمارياً عن آخر.
السردية أعلاه تتأكد في مراحل زمنية ماضية، مثّلتها مدن عربية كثيرة، مثل: جدة، والقاهرة، ودمشق، وتونس، وبغداد، وبيروت، والرياض، ومسقط، وصنعاء، وغيرها الكثير، إلا إنها وفقاً للملاحظة المنظورة بصورة عامة في عصرنا الحاضر باتت هويات متشابهة لا تكاد تميزها عن بعضها. فعلى السياق العربي مثلاً سنجد بيوت الأسمنت قد غزت معظم أقطار العالم العربي بهوية أسمنتية واحدة تتشابه فيها البيوت وتفصيلاتها ومكوناتها وأشكال بنائها وألوانها وصورتها الخارجية، عدا بعض تكوينات متناثرة هنا وهناك ما تزال تحافظ على هوية عمرانية معمارية خاصة تجاهد في مقاومة هذا التحول.
لطالما كان التنوع ثراء جمالياً وإنسانياً في صياغة حضارة الإنسان، ولهذا تبدو التنوعات الفنية، ومنها تعدد جماليات المعمار والعمران الإنساني من مكان إلى آخر مكتسباً بارزاً تجب العناية به والحفاظ عليه، وفي هذا السياق أستحضر (ميثاق الملك سلمان العمراني) أو (الطراز السلماني) وهو مشروع كبير ينهض نحو الحفاظ على نمط العمارة النجدية التي ميّزت الهوية العمرانية في منطقة نجد ومدينة الرياض وحواضرها، بل إن ثمة مشروعات وبرامج تستهدف المملكة من خلالها الحفاظ على الهوية العمرانية لمختلف المناطق والجهات في الجنوب والشمال وغرب المملكة وشرقها، بما يحقق التنوع الثقافي والحضاري الذي يشكل النسيج الحضاري للمملكة عبر مساحتها القارية الشاسعة.
أرجو أن تبادر البلدان العربية عامة إلى تعظيم مثل هذه المشروعات ودعمها، بما يحقق الغاية العليا المتمثلة في الحفاظ على الهويات العمرانية للمدن، بل الاتجاه إلى تبني ميثاق شرف يدعم حفظ الطرز المعمارية لدى مختلف الثقافات العربية على امتداد تنوعاتها الثرية.

ذو صلة