مجلة شهرية - العدد (576)  | سبتمبر 2024 م- ربيع الأول 1446 هـ

فيلم عداء الطائرة الورقية عن الصداقة والأبوة

رواية (عداء الطائرة الورقية)
عندما يكتشف أمير أن العلاقة التي كانت تربطه بصديق طفولته حسن لم تكن مجرد علاقة صداقة، بل هي علاقة دم، حيث حسن هو الأخ غير الشقيق لأمير من أبيه، تتغير مجريات الأحداث دراماتيكياً. يكبر الطفلان في منزل واحد، أمير آغا هو الابن الشرعي لرجل غني من قبيلة البشتون السنية المتربعة أعلى هرم النسيج الاجتماعي الأفغاني، وحسن خادمه الذي يسكن في ملحق الخدم مع علي (والده المزيف) من قبيلة الهزارة المنبوذة في أفغانستان.
أمير تخالجه مشاعر غيرة من حسن نابعة من اهتمام أبيه غير المبرر (من وجهة نظره) بحسن الخادم. تصل الغيرة أقصاها فيقرر أمير التخلص من حسن فيضع ساعة يد ثمينة أسفل مخدة حسن، وفي اليوم التالي يكتشف الاب السرقة (المزعومة) ويطرد حسن وعلي من المنزل.
خروج حسن ظلماً من بيته، يمهد لليوم التالي الذي يهجم الروس على أفغانستان فيخرج أمير والآغا من بيتهم قسراً هاربين إلى الولايات المتحدة، ويأخذ والد أمير معه حفنة من تراب وطنه ويحتفظ بها حتى مشهد مماته فيضعها على صدره ويغادر الأرض.
تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي
على خلاف الرواية المكتوبة عام 2003 التي تبدأ بالترتيب الزمني المنطقي حيث تصف طفولة الصديقين ثم مآلهما عندما يكبرا، يبدأ الفيلم بمشهد أمير وهو رجل في العشرين من عمره في سان فرانسيسكو، يتلقى اتصالاً من رحيم خان من باكستان، الذي كان أقرب أصدقاء والده. يطلب رحيم من أمير أن يطير إلى باكستان ويدخل أفغانستان التي مزقتها الحرب وينقذ الصغير صهراب (ابن صديق طفولته حسن) ويختم رحيم اتصاله بمقولة (لديك فرصة أخرى لتكون جيداً)، سلط المخرج الضوء على هذه الجملة من خلال عدة جوانب، أولها تضخيم صوت رحيم حين يقولها بالهاتف، وثم تكراره لها حين يقابل أمير، وأيضاً في بوستر الفيلم نجد الجملة مكتوبة بوضوح. يجد أمير نفسه مجبراً على العودة إلى العاصمة كابول بحثاً عن صهراب ابن حسن (الذي يكتشف حينها أنه أخوه غير الشقيق) الذي تحتجزه جماعة طالبان بقيادة آصف العاصف عدو الطفولة، بعد مقتل حسن لمقاومته هجوم قوات طالبان على منزل عائلة أمير الذي يحرسه حسن بعد فرارهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
فيلم الدراما هذا المعروض في دور السينما الأمريكية عام 2007 مبني على رواية للطبيب الأمريكي الأفغاني الأصل خالد حسيني، وتحمل نفس العنوان وتدور أحداثها في أفغانستان في عهد الملكية قبل احتلال روسيا وطالبان في ثمانينيات القرن العشرين. هذه الرواية التي تصدرت قائمة النيويورك تايمز وبيع منها أكثر من سبعة ملايين نسخة بلغتها الأصلية الإنجليزية في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، و22 مليون نسخة في العالم.
لاقى الفيلم نجاحاً باهراً فنياً حيث فاز بعدة جوائز دولية كان أهمها جائزة ستالايت لأفضل موسيقى تصويرية أصلية (لألبرتو فرننديز)، بيد أنه على المستوى الاجتماعي لاقى انتقاداً واسعاً لاحتوائه على مشاهد حساسة ولغة عدائية.
تصوير العلاقة الثلاثية بين الطفلين والأب
تجمع الطفلين علاقة غريبة، ظاهرها صداقة ولعب وطفولة وباطنها غيرة دفينة لدى أمير تجاه حسن. يجلسان أسفل شجرة عند المقابر، يقرأ أمير المتعلم القصص من الكتب وحسن يستمع باستمتاع، يطيران الطائرة الورقية سوياً في فريق يقهر الأعداء ويفوزان على الفريق المنافس بقيادة المراهق (آصف) المناهض للهزارة بشدة والعاصف بجبروته، وللانتقام من حسن، يتعرض آصف واثنان من تابعيه أحدهم على يمينه والآخر على شماله وعدسة المصور من الأسفل للأعلى تضخم أحجامهم وتزيد من هيبتهم والإحساس بالرهبة ويؤهب المشاهد بأن القادم مرعب. يهجم الثلاثة الأكبر سناً وحجماً على الصغير حسن ويعتدي آصف على حسن ليعلمه درساً مفاده أن المهان بالولادة يظل أسفل الهرم ولا ينافس أسياده، تجسيداً للتمييز العرقي. يأخذ حسن الطائرة الورقية ويسلمها لأمير، وفي المشهد التالي تظهر نفس الطائرة التي سببت العار لحسن معلقة في برواز كبير في بيت أمير رمزاً لفوزه وفخره.
تتجسد اختيارات الإخراج الشكلية في مفارقات الثنائي أمير وحسن على امتداد النصف الأول من الفيلم، فعلى الرغم من تشابه الطفلين في الملامح، فأمير ووالده يرتديان لباساً عصرياً أوروبياً باهظ الثمن، وحسن وأبوه الخادم يرتديان اللباس الأفغاني التقليدي المتواضع المصنوع محلياً. أمير هادئ وبطيء الحركة يعشق القراءة وكتابة القصص، أما حسن قوي البنية لا يذهب للمدرسة ولا يقرأ، لكنه (فهلوي) يتقن فنون اللعب مثل الإمساك بالطائرة الورقية والتصويب بمطاط النبلة.
مخرج الفيلم الألماني الجنسية مارك فوستر يرتبط عاطفياً مع فكرة صداقة الطفولة، فقبل هذا الفيلم أخرج فيلم (العثور على أرض الخلود) (2004)، المستند على حياة الكاتب المسرحي الأسكتلندي جيمس باري. يقول فورستر: (قرأت السيناريو الذي حرّك مشاعري إلى حد البكاء. لقد ذكّرتني القصة بطفولتي في سويسرا. كنت أمارس تلك الألعاب الصغيرة في الغابات، وكنت أرتدي أزياء الهنود الحمر ورعاة البقر. قرأت النص وصممت على تنفيذه).
المشهد المميز في الفيلم
يفرد المخرج الألماني فوستر عضلاته الفنية في مقاطع تحليق الطائرات الورقية بألوانها الزاهية تملأ السماء، وصوت رفرفة أجنحة الطائرات يرفرف البهجة في القلب، تتنقل مقاطع التصوير من الأسفل حيث يمكسك الأطفال طرف الخيط في الأرض وأعينهم تحدق في السماء متابعة لطائراتهم، ويتماهى المشاهد معهم وكأنه معهم في أرض الواقع. ثم مقطع التصوير من الأعلى والطائرات بين الغيوم، وكأن المشاهد ينظر للطائرة وهو يحلق في مستوى أعلى منها. تظهر إمكانيات فنية كبيرة في هذا الفيلم الذي تقدر ميزانيته بـ 20 مليون دولار.
وظف المخرج الطائرة الورقية بجدارة في الفيلم. بدءاً من اسم الفيلم المرتبط بشدة بكثير من المشاهد والأفكار داخل الفيلم، ثم بتخصيص مشاهد كثيرة تظهر الطائرة الورقية فيها بدور البطلة، التي يعطيها الذكور في الفيلم أهمية قصوى حتى والد أمير يهتم لمسابقة الطائرات الورقية ويشجع ابنه بحرارة.
أول مشهد في الفيلم يبدأ بمقاطع لطائرات ورقية تحلق في ولاية كاليفورنيا وآخر مشهد ينتهي بمقطع أمير وصهراب يلعبان بالطائرة في كاليفورنيا وتظهر خلفهم زوجة أمير لتكتمل صورة العائلة المترابطة. وبين المشهدين الكثير من القصص الحزينة والدموية التي تأخذ كابول مسرحاً لها لعل المشهد الوحيد المفرح في أحداث أفغانستان كان مشهد مسابقة تحليق الطائرات الورقية الذي أخرجه فوستر ببراعة.

ذو صلة