يتمثل نجاح أي إدارة في التوظيف الأمثل لمجموعة من الأنشطة والعمليات والممارسات التي تهدف لتحقيق الكفاءة في المؤسسة، حيث يلاحظ المتابع لواقع الحال فيما يخص البيانات والمعلومات ازدياد الاهتمام بإدارة المعلومات في الآونة الأخيرة، نتيجة للتدفق الكبير في المعلومات والبيانات عبر الأنظمة الإلكترونية، حتى اضطرت المؤسسات لإيجاد طرق ووسائل مناسبة لمعالجة المعلومات والاستفادة منها في عمليات اتخاذ القرارات المناسبة والتنبؤ بالخطوات المستقبلية بما يخدم مصلحة المؤسسة، إذ يعد توجه أي مؤسسة نحو الإدارة الإلكترونية ضرورة حتمية لا بد منها، تفرضها تغيرات عالمية. ففكرة التكامل، والمشاركة، وتوظيف المعلومات؛ أصبحت من محددات النجاح لأي مؤسسة، لذلك فرض التقدم العلمي والتقني المطالبة المستمرة برفع جودة المخرجات وضمان سلامة العمليات، فأصبح عامل الوقت أحد أهم المجالات التنافسية بين المؤسسات، وهنا تكمن أهمية سرعة وسهولة الوصول للمعلومات بشكل سريع ودقيق.
إن إنجازات الكتاب السابقين تعد الأساس الذي يبني عليه الصحفيون المعاصرون عملهم، وبناءً على ذلك فإن الصحفيين المعاصرين لا ينهمكون فقط في اكتشاف بيانات علمية حديثة، فحسب؛ بل في تصنيف البيانات التي سبق جمعها من قبل زملائهم وتقييمها وتصحيحها وجعلها في متناول أيدي معاصريهم من الصحفيين والقراء، ويعد هذا الجهد وسيلة لحفظ التراث الوطني والأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية اليومية، وهو مرجع لتجارب وأحداث قد تبنى عليها أحداث أخرى وقرارات، ومزيد من الأحداث التي تسهل العودة إليها من خلال الأرشفة، وذلك لربط الأحداث بعضها ببعض والبناء عليها في كل موقف وحدث قد نراه بسيطاً، ولكن قد يحدث تغييراً جذرياً وسياسياً مهماً بناء على تلك المعلومات المسترجعة.
كما يعتبر أرشيف الصحف والمجلات مصدراً مهماً للمعلومات، إذ يحمل توثيقاً لحقب تاريخية على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ومن خلال دراسة عدد من صحيفة أو مجلة في فترة من الزمن يستطيع الباحث التعرف على القضايا التي كانت تشغل بال المواطنين والسياسيين والمثقفين في تلك الفترة، وكيف كانوا يتفاعلون مع الأحداث المختلفة من حولهم، وكأنه انتقل عبر (آلة الزمن) إلى عصور تاريخية سابقة، فكلما طال عمر صحيفة أو مجلة، زادت قيمة أرشيفها وقوته بتناوله حقباً تاريخية متنوعة، وبالتالي يتحوّل إلى مصدر لا غنى عنه لقصص ومواضيع صحافية تعمل على ربط الماضي بالحاضر، أو تحاول استعادة لحظات تاريخية، أو تروي وتوثّق سيراً ذاتية لشخصيات عامة أو رموز سياسية وفنية وثقافية ولتحقيق هذه الغاية يتم الاعتماد بصورة رئيسة على الصيغة التي تنشر بها هذه المعلومات بين الصحفيين المعاصرين وتنقل بواسطتها إلى الأجيال اللاحقة.
ولا بد هنا من تحديد أهم المشكلات التي تعانى منها الأرشيفات الصحفية، وإمكانية الاستفادة من المقتنيات التي تحتفظ بها هذه الأرشيفات من خلال إبراز أهمية وضع الخطط والحلول الإلكترونية المناسبة المتمثلة في عمليات الفهرسة الإلكترونية والتحول الرقمي لمقتنيات هذه الأرشيفات، وذلك لتعظيم الفائدة من الخدمات التي يمكن أن تقدمها لجميع فئات المستفيدين داخل استخدام المؤسسة وخارجها، لذا وجب على أي مؤسسة مهتمة في حفظ مقتنياتها وأرشفتها أن تعمل على تصميم نظام أرشيف إلكتروني يصلح لأن يستخدم في العديد من المؤسسات الصحفية المماثلة، وأن يركز على الحفظ والتحليل الموضوعي للمواد الأرشيفية الصحفية وتخزينها وسهولة استرجاعها حين الحاجة لها بكل سهولة ويسر، كما ويجب الاعتماد عليها في بناء نظام رقمي للأرشيف الصحفي، واختيار نظام قواعد البيانات والبرمجيات التي يمكن أن تستخدم في مثل هذه الأرشيفات مع تحديد متطلبات تنفيذ مثل هذا المشروع.
في مصر تُعَد أرشيفات المطبوعات القديمة العريقة مرجعاً حيوياً وضرورياً للإعلاميين والباحثين، وهي تشكل مصادر معلومات أساسية لمواضيعهم الصحافية ومراجع رئيسة في أبحاثهم العلمية. هذا، مع أن ثمة اختلافات يشهدها القطاع الإعلامي اليوم مع ظهور الإنترنت، إذ أتاحت الشبكة العنكبوتية الوصول إلى المعلومات الأرشيفية والتاريخية بسرعة ويسر. ولكن في الوقت عينه، كان ثمن السرعة واليسر في استثمار الإنترنت باهظاً في عدة حالات على صعيد الصدقية، إذ يحمل البحر المتلاطم من المواقع الإلكترونية عبر الإنترنت كثيراً من المعلومات الزائفة والمضللة، ما يفرض على الإعلاميين والباحثين - على حد سواء - مزيداً من التدقيق والتقصّي قبل اعتمادها في أعمالهم.
وتعتبر دار الكتب والوثائق القومية المصرية من التجارب المميزة والتي تحتفظ بنسخ من أرشيفات الصحف المصرية ما يجعلها مصدراً مهماً للباحثين ودارسي الإعلام والصحافيين، وكثيراً ما يكلّف دارسو الإعلام بإعداد قصص أو مشاريع بحثية عن تاريخ الصحافة في مرحلة معينة، خلال فترة دراستهم. كذلك تضم مكتبة الإسكندرية بدورها نسخاً مرقمنة من أرشيفات الصحف والمجلات المصرية وأرشيف الصحافة المصري الخاص بمركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعي وعلى الصعيد الدولي تضع الصحف والمجلات الكبرى قواعد لتداول أرشيفاتها، فعلى سبيل المثال، تتيح صحيفة (النيويورك تايمز) الأمريكية، الاطلاع على أرشيفها بطريقتين، توضحهما على موقعها الإلكتروني وهو متاح للجميع.
كما ونجد جامعة قطر من الجامعات التي تعمل على أرشفة الصحف ورقياً وإلكترونياً، أرشيف الصحف القطرية القديمة. ومحلياً أردنياً نجد أن مكتبة الجامعة الأردنية أم الجامعات الأردنية تقوم بحفظ وأرشفة الصحف بشكل دوري ورقياً وإلكترونياً، حيث نجد أن أغلب الجامعات تعمل على أرشفة صحفها ورقياً فقط كما هو الحال في دائرة المكتبة الوطنية، كما وتقوم المكتبة الوطنية بحفظها للجريدة الرسمية للحكومة الأردنية.
وقد تجد الانزعاج من بعض الجامعات الأردنية التي تخلت عن دورها في حفظ الصحف ورقياً بحجة التحول الإلكتروني وعدم الحاجة لتلك الموجودات لما تحتاجه تلك الصحف من حيز ومكان وتكاليف تجليد ومتابعة. ولوجود مشاكل مادية لدى أغلب جامعاتنا الأردنية أصبح التخلي عن هذا الدور والكنز المعرفي لتجده قد تحول إلى مصانع تدوير الورق وإتلاف تلك الموجودات وبكل أسف.
ولدائرة المكتبة الوطنية الأردنية التابعة لوزارة الثقافة الأردنية دور مهم ووطني في حفظ النتاج الثقافي والوطني والتعريف به، حيث أولت الحكومة اهتمامها بها كونها تمثل ذاكرة الوطن ومكتبة الدولة والمرجعية للمهتمين والباحثين والراغبين بالاطلاع على النتاج الثقافي والوطني والمحافظة عليه وتخزينه وأرشفته ورقياً وإلكترونياً، سواء كتب أو صحف أو أي مادة أخرى، كما ويوجد شركات متخصصة في عملية الحفظ والأرشفة الورقي أو الإلكتروني. ولمكتبة الجامعة الأردنية تجربة رائدة في التعامل مع تلك الشركات في حفظ وأرشفة الصحف ورقياً وإلكترونياً بشكل يسهل الوصول لطالبي المعلومة بكل سهولة ويسر.
وبحكم خبرتي في العمل المكتبي فإن للمكتبات دوراً كبيراً ومهماً في حفظ تلك الكنوز من المعرفة بأنواعها المختلفة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو رياضية أو مقالات أو خلافه، ومهما اختلفت سياسة النشر لتلك الصحف سواء كانت يومية أو أسبوعية أو شهرية أو سنوية لقناعة جامعاتنا بأهمية تلك الثروة والمحافظة عليها.
وأرى أن الأصل أن يكون للصحف نفسها دور أكبر في حفظ منشوراتها وتوفيرها وتأمين سهولة الوصول إليها. وتجد الكثير ممن يبحث عن صحيفة في تاريخ معين تراه يعود للمكتبات وليس للصحيفة لعدم توافر تلك الأعداد لديها، ويعتبر مأخذاً سلبياً على تلك الصحف والقائمين عليها.
وختاماً أرى أن يقوم مركز التميز الخاص بخدمة المكتبات الجامعية الحكومية الأردنية بالإضافة للجهود الأخرى التي يقوم بها بتبني فكرة حفظ تلك الصحف بأنواعها وأرشفتها وتوفيرها على مواقع المكتبات لطالبي المعلومة لتكون تكلفة عمليه الحفظ والأرشفة على جميع الجامعات الحكومية مقبولة بدلاً من الاشتراك بشكل فردي للتخفيف على الجامعات من العبء المادي على ذلك الجهد لذلك المشروع ومن خلال اشتراك الجامعات في المركز والذي يدفع سنوياً ويشمل خدمات عدة لتلك المكتبات.