لا تزال الصحافة في العلاقات البشرية العروة الوثقى، فهي ديوان الأمم، ومادة تاريخهم، وسجل حياتهم الفكرية والثقافية والاجتماعية.
ومادامت مرتبطة بالكلمة بادئ ذي بدء والكلمة جوهر الإنسان، فالصحافة هي وجود الإنسان. أنا أفكر أنا أكتب إذاً أنا موجود. وإذا كانت بداية الصحافة بحلول 1400 ميلادي في المدن الإيطالية والألمانية والفرنسية والإنجليزية، فإن إرهاصات الصحافة العربية كانت منذ الجاهلية، حيث كان الشعر محور حياة العرب الثقافية.. فهو ديوانهم، وخزانة مآثرهم، والخلاصة الصافية لتجاربهم الإنسانية، ومصدر لتدوين معارفهم المختلفة التي تطورت إلى أشكال ثقافية مختلفة وأجناس أدبية ذات أهمية كبرى.
ثم بزغت الصحافة العربية أوائل القرن التاسع عشر وامتدت إلى القرن الحالي، وخلال هذه الفترة شهدت مراحل إشعاع ووهج ومراحل هبوط من قمة هرم الكتابة، وتوقف الكثير منها، واختفى معظم الأرشيفات الصحفية.
فما العوامل التي أدت إلى تقهقر الصحافة وأرشيفها؟
حوت الصحف العربية كنوز المعارف الفكرية والثقافية والفلسفية في مختلف المجالات، بل دونت يوميات الناس وحياتهم الاجتماعية، وأيضاً سجالات اختلافاتهم الفكرية وحروبهم الثقافية، ما يجعلنا أمام وثيقة في غاية الأهمية يتوجب حفظها والعناية بها وإتاحتها للباحثين والقراء بأيسر الطرق.
والملاحظ أن أرشيف الصحف يعاني هشاشة التأسيس وضعف بنية الحفظ والتصنيف فضلاً عن الاختفاء الكامل عن الوجود إثر توقف الصحيفة وانهيار هيكلها التنظيمي مثلما حصل لكثير من الصحف والمجلات التي باختفائها اختفى تاريخ من كنوز الثقافة والفكر والمعرفة، ويمثل الأرشيف الورقي للصحف أو الإلكتروني هاجساً لكل الكتاب والصحفيين والصحافة بصفة عامة. ودعنا نتدرج شيئاً فشيئاً في المناقشة والمعالجة.
في البداية نلقي نظرة عامة حول الصحافة في العالم بوصفها وثيقة لحفظ التاريخ الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي واليومي للدول والشعوب.
كانت بداية الصحافة بحلول 1400ميلادي، حيث كان رجال الأعمال في المدن الألمانية والإيطالية يجمعون السجلات المكتوبة بخط اليد التي تحتوي على الأحداث المهمة، وكانوا ينقلونها بين العاملين معهم في محيط عملهم. من هنا ظهرت فكرة استخدام المطبعة للمرة الأولى عام 1605ميلادي، وبعد بضعة عقود بدأت الحكومات الوطنية في باريس ولندن في طباعة النشرات الإخبارية الرسمية، ثم تلا ذلك نشر الأخبار كل نصف عام في كولونيا (ألمانيا) في الفترة بين 1594 و1635 ميلادي.
وفي إنجلترا كانت المجلة الأسبوعية crurent of général news هي أول مجلة تنشر وتوزع في إنجلترا عام 1622 ميلادي، وهكذا تطورت الصحافة من جمع ونقل الأخبار إلى نمو التكنولوجيا والتجارة والذي يتسم بظهور تقنيات متخصصة في نقل المعلومات ونشرها على أساس منتظم مما أدى إلى الزيادة المطردة في نطاق الأخبار المتاحة والسرعة التي تنقل بها الأخبار.
على هذا الأساس أصبحت الصحافة وثيقة لحفظ التاريخ الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي واليومي للدول والأمم والشعوب.
ومن هنا نرصد أبرز التجارب المميزة لأرشفة الصحف وحفظها. فلعل المتابع للمسار الصحفي العربي يلاحظ أن أرشيف الصحافة مهمل وغير مرتب، وقلما نجد جهة رسمية تحافظ على الكنز المفقود. والجدير بالملاحظة أن الكاتب الصحفي مهووس بكتاباته على أعمدة الجرائد أو المجلات أو الدوريات، وأحسن دليل على ذلك ما رأيناه لدى الكاتب الصحفي محمد حسين هيكل من الاستظهار والاستشهاد بكتاباته الصحفية لا سيما عندما قدم هذه السلة من الجرائد في برنامج تجربة حياة على قناة الجزيرة.
بيد أن هناك تطوراً في حفظ أرشيف الصحافة، برز ذلك مع الصحافة الإلكترونية التي طورت بموجبها مفهوم الأرشفة الصحفية، فأصبح المشهد الإعلامي متاحاً للجميع وفي متناول جميع القراء، وهذا بفضل الشبكة العنكبوتية.
نماذج ضياع أرشيفات الصحف
إن الباحث في أرشيف الصحف يلاحظ ضياع أرشيفات الصحف وعدم حفظ كنوزها، ويعود ذلك إلى اختفاء عدة جرائد ومجلات ودوريات ولأسباب كثيرة، منها الأزمات المالية للشركات المشرفة على الصحافة، وعدم اهتمام سلطة الإشراف بهذه الكنوز، ولا مبالاة الحكومات بالأرشيف الصحفي، وعدم وجود تنسيق وتناغم بينها وبين الشركات المنتجة للجرائد والمجلات. ولعل تطور الصحافة الإلكترونية أودى بالصحافة الورقية إلى احتضارها في انتظار رميها في سلة المهملات، غير أنه توجد الحلول، وتتمثل في وضع الصحافة ضمن أولويات البرامج الحكومية، ومن البرامج الرسمية للمؤسسات التربوية، وجعل المكتبة مكاناً مقدساً للطلاب والتلميذ ولم لا ضمن جدول أوقاته.
إن الصحافة تقوم على جمع وتحليل الأخبار والآراء والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور وغالباً ما تكون متعلقة بمستجدات الأحداث على الساحة السياسية أو المحلية أو الثقافية أو الرياضية أو الاجتماعية، وعلى هذا الأساس تساعد الصحافة المجتمع على تطوير فكره التقدم والازدهار، وعليه وجب على كل الدول المحافظة عليها وحفظ أرشيفها.