مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

أرشيف الصحافة وثيقة لحفظ التاريخ

تكتنز ذاكرة الصحافة العربية بأرشيف طويل جداً، فتعد الصحف والمجلات مصدراً مهماً للمعلومات، تحمل بين طياتها توثيقاً مهماً لحقب تاريخية على مختلف المستويات سواء السياسية أو الاجتماعية والاقتصادية، أو الفنية والثقافية، فالصحف والمجلات تمكن الباحث من التعرف على مختلف القضايا التي كانت تشغل بال الباحثين والمثقفين والسياسيين وغيرهم في القديم، وكيف كانوا يتفاعلون مع الأحداث وردة فعلهم اتجاهها، مما يمكن الباحث من الرجوع إلى عصور تاريخية سابقة بغية التعرف على خصوصياتها. ومن هنا سنجيب على سؤال مركزي وهو: هل المكتبات الإلكترونية تساهم في أرشفة الصحف كغيرها من المكتبات العادية؟
دور المكتبات وشبكة الإنترنت في حفظ أرشيف الصحف
لاشك أن قدم الصحف وأرشيفها يزيد من قوتها بتناولها حقباً تاريخية متنوعة بمختلف المستويات، ما يجعل الباحثين في بحث مستمر حول هذا المصدر الرئيس الذي لا غنى عنه، وبالتالي فهو يحمل جملة من الأحداث والمواضيع التي تربط الماضي بالحاضر، في استحضار دائم لمحطات تاريخية، وسير ذاتية وغيرية لشخصيات عامة أو رموز وطنية، وسياسية، أو فنية وثقافية.
تلعب المكتبات دوراً مهماً في الحفاظ على أرشيفات المطبوعات والجرائد القديمة، والتي تعد مرجعاً حيوياً وضرورياً للإعلاميين والباحثين في مختلف المجالات، لكتابة مواضيعهم الصحافية وبحوثهم الأكاديمية، غير أن هناك اختلافات كبيرة اليوم مع ظهور الإنترنت، حيث أتاحت الشبكة العنكبوتية الوصول إلى المعلومات الأرشيفية والتاريخية بسرعة فائقة، تمكن الباحث والصحافي الحصول على المعلومات بشكل بسيط وسهل، وأسرع، وذلك بوجود كم هائل من المعلومات غير الموثقة على شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، مما يدفعنا إلى الحديث عن المكتبات الإلكترونية، والمواقع الإخبارية، وهذا لا يعني أن المكتبات العادية فقدت قيمتها وجمهورها، ولكن ذلك فرضته التغيرات المجتمعية على المستوى الفكري والاجتماعي والثقافي والفني والسياسي، نتيجة الانفتاح والاحتكاك بعالم التكنولوجيا. والحال أن ذلك لا ينفي الدور الكبير الذي تلعبه المكتبات التي تضم آلاف الجرائد والبحوث والمجلات الإعلامية ذات صلة تاريخية ومجتمعية واقعية.
استناداً إلى ما سبق، فضروري أن توفر المؤسسات الإعلامية للصحافيين والباحثين أرشيفات عبر مواقع إلكترونية ذات مصداقية، لضمان قصص صحافية دقيقة وأخبار رصينة دقيقة، حيث تفرز المواقع والمنصات الإلكترونية عدداً هائلاً من المعلومات التاريخية والسياسية والثقافية، مما جعل المواقع ومنصات التواصل والبحث مجالاً خصباً لتبادل الخبرات والثقافات والأخبار. ومن هنا نطرح سؤالاً محورياً ومفتوحاً، وهو: هل حلت المنصات الإلكترونية محل المكتبات العادية؟
ثمة هناك صحف ومجلات عريقة تتضمن أرشيفاتها توثيقاً اجتماعياً وسياسياً غنياً للأوضاع التي عرفها المغرب منذ القدم، وعبر تاريخه السياسي والاجتماعي المدون ضمن المخطوطات والجرائد والمجلات، والتي تعد من أهم المصادر المعلوماتية للصحافيين، وللمؤسسة الإعلامية بشكل عام. والحال أن قوة الصحيفة تزداد كلما كان أرشيفها قوياً، إذ تزيد قدرتها على التواصل مع قضايا الناس عبر إتاحة معلومات تربط الماضي بالحاضر، وتعطي الصحافي والباحث في الإعلام فرصة أكبر لتوثيق قصصه الصحافية، وتضمينها بيانات ومعلومات تاريخية موثقة، مما يساعدهم على كتابة مقالات تمكن القارئ من وضع يده على أخبار صحفية بزوايا مختلفة (سياسية، ثقافية، فنية، اجتماعية...).
لا يقتصر أرشيف الصحف والمجلات على تزويد الصحافي أو الباحث الإعلامي بمعلومات تاريخية، أو صور لتضمينها في مقاله الصحافي أو بحثه الأكاديمي فقط، بل تصدر مقالات ومواضيع مستوحاة من الأرشيفات، فتخصّص بعض الصحف والمواقع الإلكترونية أبواباً ثابتة تتضمن مواضيع معتمدة بالكامل على الأرشيف الصحافي. وكمثال على ذلك تناول سيرة أديب أو عالم من العلماء، أو الكتابة حول عيد وطني أو ذكرى حادثة وقعت في تاريخ معين، أو استرجاع سيرة فنان أو شخصية عامة، وذلك عبر حوارات صحافية بحلول ذكرى وفاة أو ما شابه ذلك، بالإضافة إلى شرح أوضاع اجتماعية وسياسية في فترة زمنية معينة إبان الحرب أو الاستعمار، والدفاع عن حوزة الوطن باستحضار رموز المقاومة الوطنية.
وتكمن أهمية الحفاظ على أرشيف الصحف والمجلات في:
مساعدة الباحثين والإعلاميين في بحوثهم وتزويدهم بالمعلومات الضرورية في عمليات التحرير لبناء مواضيعهم الصحافية الإخبارية أو البحوث الأكاديمية.
الحفاظ على التاريخ الشخصي والمؤسساتي، وذلك من خلال جعله نافذة أساسية تربط الماضي بالحاضر في استحضار مستمر ودائم لذكريات أفراد بعينهم وإسهامهم في تطوير المؤسسات.
الحفاظ على التراث الثقافي: يسهم الأرشيف في حفظ التراث الثقافي والفني وتثمينه سواء كان ذلك من خلال حوارات تشمل رسائل فنانين أو أدباء... وذلك من خلال القيام بدور حيوي وتواصلي يربط الماضي بالحاضر في محاولة لفهمه والاستفادة من تجاريب السلف.
سهولة وسرعة الحصول على المعلومة، وهذا الأمر مرتبط بالأرشيف الإلكتروني، وإتاحة مختلف الوثائق للاطلاع عليها من قبل المؤسسات، وزد على ذلك.
في هذا الإطار، لا يمكن أن نغفل الدور المهم للمكتبات في حفظ أرشيف الصحف والمجلات إلى جانب المواقع الإلكترونية، والتي تكون رهن إشارة الباحثين والصحافيين لكتابة مواضيعهم ومقالاتهم المتنوعة بتنوع المجالات والمواضيع، حيث تقلل الوقت والجهد المستهلك للبحث عن المعلومات واسترجاع الأحداث والوقائع من خلال تسهيل تبادل الوثائق وإتاحتها بالمكتبات والمواقع الإلكترونية البحثية.
ختاماً فإن ما يستحق التنويه هنا، أن الوثائق والصحف تحتفظ بأرشيفات، تجعلها مصدراً مهماً للباحثين ودارسي الإعلام والصحافيين، إلى جانب التعريف بتاريخ البلد ورموزه السياسية والتاريخية، وكثيراً ما يكلّف دارسو الإعلام بإعداد مقالات أو مشاريع بحثية عن تاريخ الصحافة في مرحلة معينة، بالإضافة إلى التمثلات الثقافية المستوحاة من مجتمع ما خلال فترة دراستهم مما يدفعهم للرجوع إلى الأرشيف الموجود بالمكتبات والمواقع الإلكترونية ومحركات البحث بغية الاستفادة وتجميع المعلومات، فتظل المكتبات الورقية والإلكترونية محركاً أساسياً ومنهلاً رصيناً ينهل منه الباحثون في مجال الإعلام.

ذو صلة