قالت لأختهــــا: سأذهـــب معــي ابنـــي!
ابتسمت أختها ولم تقل شيئاً، شكّت بأنّ مسّاً أصاب عقل أختها، ابني.. ابني متى عهدنا لك ابناً يا سعاد!، هكذا ردّدت في نفسها مع ابتسامة ساخرة يحملها اسمها.. كانت ابتسام الأخت الصغرى لسعاد، تعرف تفاصيل حياتها وكيف كانت معاناتها مع رغبة الإنجاب والشعور بالأمومة.
جلست ابتسام على الأرض بعد خروج أختها مدت قدميْها واسترخت قليلاً، سرعان ما ذهبت في نوم غير عميق، وكأنها تشعر بكل شيء ولا تريد أن تتحرك، كانت كلمة أختها الأخيرة ما تزال في ذاكرتها تعيدها إلى لحظات غارقة بالألم والحزن.. بدأت تفتح عينيها بهدوء وكأنها تخشى أن يراها أحد من أبنائها فيسألها: لماذا جاءت خالتي سعاد؟ ما زالت (تتناوم) وتعيد ذكريات أختها سعاد في ذهنها.
في تلك الليلة العامرة بالسعادة ليلة زفاف سعاد المختلفة لم يشعر أحد إلا بالسعادة والفرح والسرور تحيط أفياء البيت ومحيط الأسرة، كانت ليلة مختلفة، فسعاد بعطائها المستمر وروحها الوثابة وحنانها الذي يأتي كضياء الشمس يملأُ أرجاء البيت كانت أيقونة الحياة لأسرتها، كانت امرأة مختلفة بشكل واضح عن أخواتها وعن زوجات إخوتها، يمكن وصفها بأنها القائد المحب داخل مملكة عائلتها الكبرى، ولذا غمرت السعادة كل من حولها، كانت كلمات الحب لها والدعاء بتوفيقها ممتزجة بحسرة في قلوب من حولها مغمورة بدموع وكلمات حزينة أيضاً، يكفي ما قالته إحدى الصغيرات من بنات إحدى أخواتها لها: سأفتقدك يا خالة.. كانت بمثابة خنجر دخل قلبها ولم يخرج.
زُفّت سعاد.. وانتهت الحفلة.. ومضت السنة الأولى لزواجها، كانت والدتها تنظر إلى بطنها متى يتكور!.. لم تكن الأمور هنا على ما يرام، الشعور برغبة الأمومة يزداد ولكن لا شيء في الطريق، تمر السنة الثانية وتليها الثالثة، بدأت الهواجس تزداد والاحتمالات السيئة تتسع دائرتها، بدأت سعاد تفكر بالذهاب إلى طبيبة نساء، كانت الخطوة الأولى أن تخبر زوجها بمشاعرها تجاه الموضوع الأهم لها، لم تَظهر الممانعة لديه، ولكن حاول تهدئة زوجته سعاد وأن الطفل سيأتي بإذن الله، لم تكن الفحوصات كما تحب سعاد، ولكنها ما زالت تحاول، سنة بعد أخرى حتى مضت 10 سنوات على زواجها، هنا وقفت أمام المرآة وسألت نفسها: هل أطلب الطلاق أم أتركه يتزوج؟ أنا لن أنجب، الطبيبة المعالجة والفحوصات كلها تقول: أنت عقيم يا سعاد، لن تنجبي. يا رب دلني على الخير، دعوات صامتة ولكنها مملوءة بالأمل.
في صباح أول يوم من بداية عامها 11 في رحلة الزواج، خرجت من غرفتها تجرّ أذيال الحزن، كان زوجها يستعد للخروج للعمل، بصوتها الحزين قالت: صباح الخير يا مبارك، رد عليها: صباح النور والسرور، دنت منه وقالت: مبارك أريد الحديث معك، جلست وانتظر ماذا تقول، ثم من دون مقدمات قالت له: لماذا لا تتزوج لكي ترزق بذريّة؟!، فأنا عقيم يا مبارك لن أنجب، وأنت تريد الأبناء.. هذا حقك، كان كلامها مفاجئاً له، ولكنه شعر باضطراب لم يدر ما يقول، من دون تمهيد، سكت قليلاً، حاول أن يخفي رغبته من الزواج بامرأة أخرى، كعادة الرجال، وقال لها: أنت زهرة حياتي وحبي، والأبناء من الله.. ثم سكت، كان كلامه يواري رغبته، ولكن سعاد أصرت على ذلك وأعادت فكرتها بكلمات أخرى، حتى كانت خاتمة حديثها: أنا سأبحث لك عن زوجة. كانت هذه الكلمة مفاجأة له أيضاً، لم يكن يتوقع أن تكون زوجته أول من يخطب له أو يبحث له عن زوجة. لم يتكلم لحظتها، قام، وقال لها: أنا مشغول الآن، مع السلامة يا حبيبتي. شعرت سعاد براحة كبرى، وكان يومها يوماً مختلفاً، شعرت فيه بالنشاط وانكسر الخمول وتلاشى القلق، كأن حجراً كبيراً أزيح عن قلبها، لقد ألقت المسؤولية على زوجها وتركته يحدد في موجة تفكير عاتية، فلم يتوقع أن تصارحه زوجته بهذا أبداً.
أخذت مساحة الحوار تتسع بينهما حول الموضوع، وتلاشت العاطفة وبرز المنطق، فالعمر يذهب والرجل يرغب بالإنجاب والزوجة عقيم، والحل هو الزوجة الثانية، هكذا انتهت المعادلة، وبدأت الزوجة بالبحث عن زوجة لزوجها، وكان الاختيار من امرأة تعمل معها في مؤسسة خيرية، كانت صديقتها المقربة وزوجة زوجها، هكذا قرّ في قلبها.
سارت الأمور وفق ما خطط له، انتهت مراسم الزواج، وأصبحت الصديقتان زوجتي رجل واحد، كان عقل سعاد هو المتحكم في علاقتها مع زوجها وزوجته الثانية، ولذا كانت الحياة تسير بشكل هادئ، كان المولود الأول لزوجها ولداً، ولذا تبنته سعاد، وأصبح قريباً منها، في بيت من طابقين، تسكن كل زوجة لوحدها، كانت سعاد حفيّة بزوجها تحبه، ولذا سعت لسعادته، كانت تأخذ أبناءه من زوجته الثانية وكأنهم أبناؤها، تمنحهم الحب والتربية والمال، ولذا كانوا يقولون لها: ماما، أما أكبرهم فكانت تسميه: ابني!.