مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

ناجورونا

استمعت لبكاء الناس من حولي، ولكنني كنت مقيدة لم أستطع سؤالهم لماذا يبكون، وقت الموت يشعر الإنسان بكل ما حوله من مشاعر، ولكنه مقيد أمام شريط ذكرياته القديمة التي تمر أمام عينيه في ثانية، ذكريات تجعله إما يندم طيلة حياته أو يسعد بقيتها.
لم أتذكر إلا نزولي سلالم كثيرة تحت أعماق الأرض، وصلت إلى بوابة مكتوب على بابها (ناجورونا)، مررت يدي في جهاز ظهر به ترميز نوره أخضر فدخلت، وجدت بيوتاً مقسمة بجانب بعضها وكأنها كتلة واحدة، لم أجد إلا نظرة اندهاش تكسو وجوه الناس، شعرت أنني فاقدة النطق، ذهبت لمتجر مكتوب عليه لافتة عريضة: (كل ما يخص شعب ناجورونا)
وجدت رجلاً يعمل وحده، أردت سؤاله، شعت جبهته بلون أخضر، وشعرت بشيء في جبهة رأسى، قرأ ما يحوم داخل عقلي، كان التواصل بالتخاطر، (التخاطر هو قراءة ما بعقل الإنسان).
فقال: ناجورونا مدينة التطور، نحن مُبرمجين بالترميز، تتوارث الرموز بين الناس كي يأخذ الجميع فرصتهم، يبدأ الجميع العمل في سن العاشرة، يموت عند إتمامه سن الستين (المعاش العملي)، الكل يعمل حتى الموت، عند الزواج يوجد رمز واحد ينير القلب ويتطابق معه رمز آخر، الكل مبرمج على الزواج مرة واحدة، لأنه عندما تجدين شريك مسيرتك الحياتية تصبح حياتك نعيماً أبدياً، عملي مساعدة الناس وإذا أردتِ أي شيء لا تترددي في المجيء هنا.
خرجت من المتجر، تصادمت مع شاب غريب عن المكان مثلي تماماً، جاء ضابط شرطة وكشف على رموزنا، لم يجدنا مسجلين بنظام الترميز، رموزنا غريبة لم يستطع فهمها، نحن نمثل له خطراً الآن، كان عليه إلقاء القبض علينا، هربنا حتى ذهبنا إلى مكان يُصدر صوتاً قائلاً: (اشحن طاقتك في ناجورونا).
وجدنا سماء مليئة بالنجوم والكواكب تدور حول القمر، الناس ترقص تحت ضوء القمر، فتحنا الشرفة التي تطل على الكواكب، تحدثت معنا الكواكب، وعدني كوكب المريخ بأنه سيرسل معنا نجمة من السماء تحمينا وتساعدنا، نظرنا في عيون بعضنا البعض، وكأننا تعرفنا منذ زمن طويل، ولم نستطع الرفض، فكانت فرصة جيدة للخروج من ذلك المأزق.
منعتنا كل الكواكب منعاً باتاً من استنشاق وردة سامة تقتل تُدعي (نيرما)، عدنا لذلك المتجر مرة أخرى سوياً وقد أعطانا الرجل كتاباً عن تاريخ هذه البلدة، وحكينا له ما مررنا به، ثم أعطانا مرآة تُكتب بها رموز المتطابقين.
من ثم شكرناه وذهبنا لقراءة ذلك الكتاب:
(في تلك البلدة يأتي رجل وامرأة كل 20 عاماً، يجريان تغييراً في تلك البلدة بأكملها، مميزان عن البقية، لا توجد شامة بجسدهما. لكي يتفقا معاً ويتزوجا في النهاية، عليهما ألا يقتربا من وردة سامة معروفة بخطورتها باسم (نيرما)، وكل إنسان من شعب ناجورونا يمتلك شامة مميزة في وجهه).
لم يكن في وجهينا أي شامات أنا والشاب، شعرت بصداع لأنني لم آكل لأكثر من يومين كاملين، حتى فقدت الوعي، فتحت عيني لا أتذكر كيف دخلت المستشفى؟ بحثت عن الشاب لم أجده معي، نهضت كأن لا ألم بي، وانتزعت كل ما هو موجود بيدي من إبر طبية، ذهبت إلى الطريق المؤدي لناجورونا لعلي أقابل ذلك الشاب مرة أخرى، وجدته ينتظرني أمام البوابة مادّاً لي يده، حاولنا اختبار الرموز فمررنا المرآة على القلب فكان الرمز الظاهر (1-1) ورمز الشاب (0)، اجتماع ترميزنا معاً (101)، نطقت المرآة بأن ذلك الرمز هو رمز تطابقنا، وهو عدد كل من أتى من دول مختلفة كل 20 عاماً حتى الآن، لم أكن أؤمن بفكرة جسدين متفرقين فيهما روح واحدة، وهي الفكرة الشائعة في الحب الشكسبيري، وجدنا قلوبنا تشع منها علامة خضراء، فكان شريك رمزي الأبدي ونصفي الآخر، وكذلك أنا بالنسبة له.

ذو صلة