مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

المجلة العربية المجلة الرائدة في العالم العربي

يحق لنا الاحتفال بمناسبة مرور خمسين عاماً من العطاء، فهذه المجلة رائدة في الثقافة العربية كل تلك الفترة، ولم يأتِ الاحتفال هنا من أجل إظهار الاحتفالية، بل جاء دليلاً ومؤشراً للجميع لإثبات وجود ثقافي يخص الساحة العربية على امتدادها، وهو الذي يترك بصمة واضحة في هذه المساحة الشاسعة، تحمل خصوصيتها العربية وتفتخر بتميزها.
وقد طرقت المجلة العديد من الأبواب الثقافية، وتوسعت بالبحث والنبش بما هو قديم وحديث في المعارف العربية، وفتحت النوافذ على ساحات العلوم من كل الاتجاهات، وكان لها أبواب في اللغة والشعر والأدب، في التكنولوجيا، في الفكر، في التراث، في الفن وفروعه من دراما ومسرح وموسيقى وتشكيل، وفي جميع العلوم والثقافة.
وبصفتي فناناً أكاديمياً ومدرّساً للفن في أحد أهم صروحه في الجامعة الأردنية - كلية الفنون والتصميم، ورئيساً لقمة هرم الفن التشكيلي الأردني، رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين؛ فإنني سأسلط الضوء هنا على الجانب الفني التشكيلي، ودور المجلة في تعزيزه، والحديث عن لفت الأنظار إليه من خلال المجلة.
ونتحدث عن الفن التشكيلي بعمومه، حيث كان للمجلة وقفات بمحطات تشكيلية هنا وهناك، فوقفت عند بدايات تاريخ الفن قديماً، وتسلسلت بتبويب مراحل فنية تشكيلية تاريخية متتالية، وكان لها محطات في أبواب النقد الفني وعلم الجمال، وتشعبت بالحديث عن الفنون الإسلامية والعربية، وركزت الأضواء على مراحل ومدارس فنية عربية عديدة، وتنقلت بين ما هو نقدي وتاريخي، وبين ما هو حسي وبصري، وقارنت بين الاحترافي والحرفي، وبين الأصيل والمقلّد، وبين العربي والعربي، وتابعت تأثّر الحديث بالقديم، والمعاصر بالحديث، بالإضافة للدراسات المقارنة بالعموم بين ما هو تشكيلي ومسرحي وموسيقي، كله من باب الحرص لتكون شاملة الطرح كمكتبة فنية يستفيد منها الفنان وطالب العلم في ذات الوقت.
وكانت شاهدة أيضاً على تطور الفكر في مجتمعاتنا، وساهمت بشكل كبير في تعزيز الفنون والمعارف على امتداد الوطن العربي، ونكرر بأنها تركت بصمة أصيلة نفتخر بتميزها في فضاء واسع متعدد الثقافات.
ومنذ تأسيسها كما ورد هدفت المجلة العربية إلى تعزيز الثقافة العربية، والبحث في القضايا الثقافية بكل أشكالها، حيث تقسمت أبوابها إلى العديد من العناوين، فتعنون باب باسم كتاب العدد، تم تقديمه هدية من المجلة لقرائها فصار من خلالها إثراء للمكتبة بعناوين مختلفة، وجاء الباب الثاني تحت عنوان أعلام ليسلط الأضواء على مشاهير الأدب والثقافة العربية، وهو الذي يلفت الأنظار لقامات العلم والعلماء وجهابذة اللغة والأدب العرب، أما بوابة بورترية فهي البوابة التي توثق بورتريهات العلماء والأكاديميين والشعراء والنقاد السعوديين، والتي تعرض صورهم وسيرهم بطريقة احترافية لتشاهد فيها لوحة فنية تشكيلية بصرية، وترسم تفاصيل الوجوه بحرفية عالية.
وباب آخر تحت عنوان (حوار) يتيح الفرصة للكتّاب العرب كي يناقشوا مواضيعهم الساخنة، ويضع العالم العربي تحت مجهر المراقبة الثقافية.
وتتشعب الممرات وتتفتّح الأبواب تحت مسميات مختلفة، فتصيبنا الدهشة بعنوان ملف العدد الذي يلامس قضايا الأمة الثقافية، وننتقل لنستمتع بقراءة باب آخر تحت عنوان آداب وتراث، أو ثقافات وتقارير، وتلفتنا القصص القصيرة التي نرسمها بخيالنا ونشاهدها بشاشات الباب (إبداع).
وعندما توصلنا الممرات لبوابة (فنون) نتوقف هناك ملتفتين لتخصصنا الذي نحب، هي البوابة التي ننتظر الوصول إليها، نتوقف عندها ونتوسع بالحديث عنها، ننحاز لها لأننا نجد خلفها أحاسيسنا، مشاعرنا، فهي التي تلامس وجداننا، فهناك مشهد بصري للوحة تشكيلية، وخيال لمشهد درامي ورؤيا لمشهد مسرحي، وإحساس بالطرب لصوت موسيقي، ولنا الحق بالانحياز للفن الذي يبحث عن الجمال، وبالأحرى نستطيع القول بأن الفن هو الجمال ولا يوجد جمال بدون الفن.
لقد التفتت المجلة لباب الفنون بشكل ملفت ومنذ تأسيسها، فالفن هو مرآة لأي حضارة، وهو الشاهد على إنجازات الأمم، وقد تنوعت المواضيع الفنية التي تناولتها المجلة حتى نكاد ندعي بأنها لم تترك أي باب من أبواب الفنون إلا وتناولته، أو على الأقل تناولت جزءاً منه، وطرحت مواضيع في الفن التشكيلي اتسمت بالتميز والريادة، وتوسعت بمواضيعه العامة والخاصة، وتناولت تاريخه القديم من العصور الحجرية عندما مارس الإنسان الأول طقوسه الفنية بالرسم على جدران كهوف لاسكو وألتميرا، واختارت مواضيع في تاريخ الفن التشكيلي الأجنبي والعربي، وتنقلت من بيزنطة إلى تونس، ومن روما إلى فاس، ومن أثينا إلى أريحا، وتلونت مواضيع الفن التشكيلي فيها وتعددت حضاراته ومواضيعه ومدارسه الفنيه، فنجدها في عواصم أوروبا تناقش فنونه وتأثيراته، وتتبع نظرياته وأعلامه، وتتناول مدارسه الفنية ومراحله، وتغوص بدراسة بعضه تارة، وتطفو على سطحه تارة أخرى، وتزور الفاتيكان، واللوفر، وتناقش موناليزا وفانجوخ، وجنون سلفادور دالي، وتنحاز للفن العربي بنظرياته وتاريخه، وتفرده بما فيه من التفرد، وتنتصر له بأصالته التجريدية، وزخرفته التاريخية، وحرف لغته المرسوم.
لقد ركزت المجلة العربية في كثير من الأحيان على التجارب التشكيلية العربية، ولم تنحاز إلى بلد عربي دون الآخر، بل صالت وجالت بين المشرق والمغرب، وسافرت بين اللوحة والمنحوتة والخزفية، وتناغمت بين الخط العربي والحروفية والمنمنمات، وتعرضت لتجارب الكبار والرواد، وتغنت بتجارب الشباب، ولم تترك باباً من أبواب الفن التشكيلي إلا وطرقته، حتى أنها لم تترك فن الشارع ولا الفن الجرافيتي ولا فن الرسم على الجدران، بالإضافة لفن الجرافيك وفن تدوير المهملات والكولاج والتركيب، وكان لي الشرف شخصياً بالحصول على مساحة في بوابة فنون في مقابلة أشرح فيها عن تجربتي الفنية والتركيز فيها على فن الزجاج المعشق الذي يشكل جداريات شبيهة بفن الفسيفساء.
هي مجلة رائدة في العالم العربي، ولها حضور متميز بين جميع المجلات الثقافية العربية، وتنافس في الطليعة لتضاهي بامتياز باقي المجلات الثقافية العالمية.


* رئيس رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين

ذو صلة