مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

المجلة العربية في عرسها الـ 50

منذ تأسَّست (المجلَّة العَرَبيَّة) عام 1394هـ - 1974م، برئاسة (الدكتور منير العجلاني)، إذ صدرَ العدد الأوَّل في جمادَى الآخِرة - رجب 1395هـ الموافق يونيو - يوليو 1975م، كانت علاقتي بها شِبه دائمة. بدأت إبَّان دراستي في المرحلة الثانويَّة، في مدينة (الطائف)، ثمَّ في مدينة (عرعر)، خلال السبعينيَّات من القرن الماضي. فقد كنتُ أطالعها في مكتبة المعهد العلمي تارةً وفي المنزل تارةً أخرى، ولا سيما أنَّ خالي (الأستاذ سلمان بن محمَّد الحَكَمي الفَيفي)، وهو الشاعر والأديب، كان حفيّاً بهذه المجلَّة وأضرابها من المجلَّات الأدبيَّة. ولعلَّ أبرز المجلَّات الأدبيَّة في المملكة خلال ذلك الزمن مجلَّتان: (المجلَّة العَرَبيَّة) و(مجلَّة الفيصل)، تجمعان بين الرصانة المعرفيَّة والأدبيَّة والرَّواج في الأسواق للقرَّاء عامَّة.
وامتدَّت تلك العلاقة إلى دراستي في (جامعة المَلِك سُعود) بالرِّياض، في قسم اللُّغة العَرَبيَّة وآدابها، بكليَّة الآداب، أيَّام كانت الجامعة وكليَّة الآداب والمكتبة المركزيَّة تقع جميعاً متقاربة في حَيِّ المَلَز، تحفُّها بعض المكتبات التجاريَّة في شارع السِّتِّين. وما زلت احتفظ بتلك الأعداد القديمة من تلك المرحلة في مكتبتي. فمن أقدم أعداد المجلة التي بين يديَّ الآن (العدد 87، السنة الثامنة، ربيع الآخِر 1405هـ / يناير 1985م)، وكان المُشْرِف العامُّ على المجلَّة: (حسن بن عبدالله آل الشيخ)، والمستشار: (محمَّد حسن فقي)، والرئاسة: (حمد عبدالله القاضي)، والإخراج: (محمَّد مهداوي)، وهيئة الإشراف تتكوَّن من: (عبدالعزيز الرفاعي)، و(عبدالله بن خميس)، و(د.حمود البدر)، و(د.أسعد عبده). ولك أن تتخيل مجلَّةً يُشْرِف عليها ويدير عددها كوكبة من أولئك الأعلام. وفي هذا العدد العتيق-نموذجاً- تبرز مواكبة المجلَّة لحدث الشهر، وهو حفل افتتاح المدينة الجامعيَّة لجامعة المَلِك سعود بالرِّياض، في يومٍ مشهود، من شهر ربيع الآخِر 1405هـ.
أمَّا تواصلي المباشر بـ(المجلَّة العَرَبيَّة) بالنشر على صفحاتها، فجاء إبَّان رئاسة الصديق وزميل (الشُّورَى) (الأستاذ حمد القاضي)، إذ نشرتْ لي المجلَّة ورقة بحثٍ كنت قدَّمتها في محاضرةٍ خلال الأمسية الثقافيَّة التي أُقيمت في (نادي جُدَّة الأدبي الثقافي)، مساء الاثنين 24/ 3/ 1421هـ - 26/ 6/ 2000م، ‏ضمن فعاليات مهرجان التنشيط السياحي برعاية أمانة مدينة جُدَّة (جُدَّة 21). وكانت الورقة ‏تحت عنوان (مقاييس الجَمال عند المكفوفين).‏ فنشرتْها المجلَّة في كُتيِّب (المجلَّة العَرَبيَّة) الشهري، مع (العدد 64، ربيع الآخِر 1423هـ - يوليو 2002م)- ضمن الكُتيِّبات التي دأبت المجلَّة على نشرها مع أعدادها الشهريَّة- وذلك تحت عنوان (مقاييس الجَمال في تجربة العميان الشِّعريَّة). ويُمثِّل هذا الكُتيِّب بحثاً مستلّاً من كتاب (الصورة البَصَريَّة في شِعر العميان: دراسة نقديَّة في الخيال والإبداع)، وهو أطروحتي لنيل درجة الدكتوراه، 1993، مع محاولة التركيز على فلسفة الجمال ومقاييسه، من خلال دراسة الصورة البَصَريَّة في شِعر العميان، بوصفها مادة مختلفة في بواعثها وأدواتها عمَّا يعرفه المنظِّرون لمقاييس الجمال من المبصرين. ومن ثَمَّ، تخلص الورقة، إلى أنَّ تجربة الأعمى الجَماليَّة تُقدِّم رؤيةً مختلفةً لماهيَّة الجَمال وآفاقه، تدعو إلى إعادة النظر في المسلَّمات التقليديَّة حول الإنسان وملكاته في الاستجابة والتعبير.
وهكذا فقد ظلَّت لي مشاركات بالنشر في هذه المجلَّة العريقة، تتراوح بين الشِّعر والنثر، على امتداد تاريخها، منذ رئاسة تحريرها على يد (الأستاذ حمد القاضي)، مروراً برئاسة (الدكتور عثمان الصيني)، وصولاً إلى عرَّابها الراهن (الأستاذ محمَّد السيف)، الذي يأخذ بها إلى آفاقها الأحدث.
تلك رحلةٌ أعتز بها، لا لبواعث شخصيَّة فحسب، ولكن أيضاً لمواكبتها تطوُّر هذه المجلَّة، التي اختارت أن تكون عَرَبيَّةً شاملةً بامتياز، لغةً وتاريخاً وجغرافيا. ويحقُّ لها اليوم -على متابعيها وقرائها، فضلاً عن كُتَّابها- أن يتطلَّعوا إلى مستقبلها المُشْرِق، الذي يَشِفُّ عنه استشراف خطواتها التطويريَّة الملموسة التي تشهدها وهي تعانق (يوبيلها) الذهبي.


* أديب وشاعر سعودي

ذو صلة