مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

المجلة العربية.. ذاكرتنا الجمعية على مدار 50 سنة

كثيراً ما أفكر لو أن مواطناً عربياً غاب لسبب ما عن عالمه ثم عاد إليه كيف سيرى التحولات التي جرت على ما كان يعرفه؟ وإذا أراد أن يفهم لماذا حدثت تلك التحولات وكيف، إن أراد تتبعها وتفكيكها للإحاطة بها ومن ثم التعايش معها فمن أين يبدأ؟
من المؤكد أن الفن والثقافة سيكون لهما أهمية خاصة في تلك الحالة، الذاكرة.. الأرض الراسخة التي نستند عليها لتحديد هويتنا، والثقافة فعل رئيس في تشييد أسس أي ذاكرة جمعية، ومن دونها لا نملك شيئاً، ووفق هذا الفهم يكتسب الاحتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس (المجلة العربية) أهميته، فأن يكون لدينا مجلة ثقافية تواصل عملها على مدى خمسين عاماً، وكرست طواقهما المتعاقبة خلال تلك السنوات جهدها لمتابعة حال الثقافة العربية ودعمها في المجالات المختلفة، فهذا يعني استمرار المشروع الثقافي العربي حياً رغم ما مر عليه، وما زال يواجهه، من محاولات للإقصاء من جانب فكر لا يقوم إلا بإسكات الأصوات المعارضة له!
الاحتفال بمرور نصف قرن على صدور (المجلة العربية) مناسبة جيدة وفرصة للتأكيد على ضرورة المجلات الثقافية وسط التحولات الجوهرية الجارية في العالم وفي عالمنا العربي، تلك التي توشك أن تذهب بكل القواعد المألوفة وتأتي بما لا عهد لأحد به، في هذه الظروف فإن الثقافة وحدها قادرة على التجاوب مع التغيرات، على قراءتها وتحديد مفاهيمها الأساسية والاشتباك مع أفكارها لتقريبها إلى الجمهور كي لا نتخبط في الغموض المصاحب لتلك التحولات.
التوليفة التي تقوم عليها (المجلة العربية) وكما استمرت لخمسين عاماً فإنها قادرة على الاستمرار أبعد من ذلك، متابعة شؤون الثقافة المعاصرة إلى جانب الاهتمام بالتراث سبيل أساسي لصياغة مشروع ثقافي عربي متكامل يحترم خصوصية الحضارات ويتفهم الاختلافات بينها، وفي الوقت نفسه يسعى إلى تكاملها عبر رصد الفعل الثقافي والإبداعي الآني.
كما أن استمرار (المجلة العربية) في إصدار كتاب شهري مع كل عدد يكتسب أهمية خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي لم تترك بلداً إلا وأثرت عليه، فبهذا الفعل تساهم (المجلة) في تقديم خدمة ثقافية ضرورية وحيوية للقارئ العربي خصوصاً مع ما تتميز به الكتب الصادرة من تنوع يسعى لتلبية مختلف الأذواق والاتجاهات.
في الاحتفال باليوبيل الذهبي نوجه كل التحية للقائمين على العمل في (المجلة العربية) ونأمل في تواصل دورها مع غيرها من المجلات والإصدارات الثقافية في العالم العربي للتأكيد على المشروع الثقافي والحضاري العربي وإبراز قدرته على المساهمة بفعالية في حوار عالمي يتجاوز فخ الحروب والدمار وينحاز إلى الطبيعة الإنسانية الأسمى.


*روائي ورئيس تحرير جريدة (أخبار الأدب). ورئيس تحرير (كتاب اليوم)

ذو صلة