مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

المجلة العربية.. تقليد حداثي

تنتمي (المجلة) إلى جملة من التقاليد الحداثية التي اقترحها علينا القرن الثامن عشر، بوصفه قرن التنوير، وحداثة التفكير. وعبر تاريخ العلم، وفي قطاعات الآداب والفنون، كثيراً ما كانت المجلات منابر مؤسسةً لمذاهب وتيارات فكرية وفنية، ناطقةً باسمها وبأعمال روادها.
وبخلاف الكتاب، الذي يحمل توقيع مؤلف واحد في الغالب، جاءت المجلات ناطقة بأصوات متعددة وأفكار مختلفة، ليكون خطابها خطاباً بوليفونياً حاضناً لقيم الاختلاف التي نادت بها حداثة القرن الثامن عشر. من هنا، كثيراً ما فضل لناس المجلة على الكتاب، من حيث اختلاف الرؤى والطروحات والمقاربات للموضوع الواحد والظاهرة المرصودة في عدد من الأعداد، على اختلاف المواد وزوايا النظر ومنطلقات النقد والتحليل. وهي، أي المجلة، تقليد حداثي لأنها ضربت موعداً مع القارئ، أسبوعياً أو شهرياً أو فصلياً، أو حولياً، ربما، ليظل هذا القارئ العام، أو القارئ الخاص، كل من موقعه ومجال تخصصه، يتابع المستجدات والمستحدثات في هذا المجال أو ذاك. وعن المفاضلة بينها وبين الكتاب، مرة أخرى، كثيراً ما كانت الدراسات المنشورة في المجلات مقدمة لنظرية ما، أو كتاب مرجع في بابه وتخصصه.
ولأن للمجلة لجنة قراءة، من هيئة التحرير إلى لجنة التحكيم، إلى الهيئات الاستشارية، فإن ما يرد في المجلات من كتابات إنما يكون محكوماً بمنطق الانتهاء والاصطفاء والاختيار والتمحيص والتدقيق والمراجعة، ومن ثم كانت المجلات مشروعاً ثقافياً جماعياً، يجمع فيه الحكماء على اختيار المقال الواحد، وتجتمع فيه المقالات في العدد الواحد، ويجتمع من حولها القراء لمتابعتها، من عدد إلى عدد، ومن ملف إلى ملف، إلى محور فمحور. لأجل ذلك جله، ولأسباب أخرى تفصيلية لا يسمح المقام بطردها ولا المقال المركز بعرضها، فإن المجلة تقليد حداثي وموعد حضاري لا يمكن إخلافه. ومتى توقفت مجلة عن الصدور وكفت أخرى عن الظهور نكون قد أخطأنا موعدنا مع المستقبل.


*مدير بيت الشعر بتطوان

ذو صلة