مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

المجلة العربيةومحاولة التأصيل لخطاب معرفي عقلاني

المجلة العربية منبر ثقافي ومعرفي مهم، استطاعت من خلال خطها العام وكذا انتقاء المواد أن تستقطب الباحثين والقراء من كل دول العرب، وطيلة هذه السنوات طرقت موضوعات حداثية من صميم اهتمام الإنسان العربي المعاصر، متحررة من عبء الأكاديميات التي قد تهتم بالشكليات دون النظر في المحتوى الموضوعاتي ومدى جدته وطرافته ومواكبته للعصر، فهذه المجلة الرائدة استطاعت أن تشرك القارئ في النبش والتنقيب وتحفزه على المساءلة من خلال طرح إشكالات معرفية مهمة، ومن خلال إنجاز ملفات ثقافية تختص بقضايا الراهن واستشكالاته، ناهيك عن التأصيل لقيم الحوار والعقلانية الهادئة التي تنحو نحو تقبل الاختلاف والتغاير، ونبذ التطرف والتعصب واحتكار الرأي الذي تعززه الوصايات الفكرية والتحيزات الأيديولوجية.
التحدي الذي رفعته المجلة هو محاولة الإجابة عن أسئلة محورية في ظل راهن رقمي متسارع يصعب معه احتواء المعارف، ويصعب معه كذلك التحفيز على القراءة: لمن نقرأ؟ وماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ ولأن فعل القراءة تجاوز وتأسيس لدهشة السؤال، ثم احتفاء بانبثاقية نصية جديدة، فقد استطاعت المجلة العربية أن ترتقي بهذا الفعل نحو التشارك الذي يراعي مستويات التلقي كلها، لذلك نجدها قد تعاملت مع السؤال الأول (لمن نقرأ؟) من خلال إتاحة الفرصة أمام الأقلام النقدية العربية الجادة على اختلاف مشاربها ومرجعياتها الثقافية والفكرية دون تحيز لمناطقية معينة أو جغرافية محددة، وأما في تعاملها مع السؤال الثاني (ماذا نقرأ؟) فقد قامت بتخير المواد المنشورة على أساس الجدة والطرافة، وعلى أساس التعدد والاختلاف، احتراماً لكل الأذواق، بينما تعاملت مع السؤال الثالث (كيف نقرأ) حينما حفزت القارئ على الاستنطاق والنبش وإثارة السؤال الذي يعنى بإيجاد قراءات مغايرة، ليكون طرفاً فاعلاً في لحظة قرائية مستقبلية أو في حكم المؤجل، وهذا كله أسهم في خلق جمهور قرائي منخرط في الهم المعرفي والثقافي العربي والعالمي.
ما وددت قوله في آخر هذه الشهادة المختصرة: أن المجلة العربية من المجلات العربية القليلة التي قامت بخلق جمهور قارئ، وترسيخ قيم قرائية ترتكز على تقبل كل الآراء، وعلى تفعيل الحوار دون الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة، ودون وثوقية قد تؤدي إلى الإرهاب الفكري والمصادرة المعرفية أو إلى التعصب الثقافي، لذا في احتفاليتها هذه بمولد تأسيسها نتمنى لها ولطاقمها المتميز مزيداً من الرقي والعطاء والانتشار.


*جامعة سوق أهراس

ذو صلة