مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

المجلة العربية دار النشر

تحمل المجلة العربية على عاتقها مسؤولية ترسيخ الثقافة عربياً لا سيما وأنها مؤسسة ثقافية وأي تطور لها يعد مكسباً ثقافياً يحمل اسم الوطن. وقد مرت المجلة العربية في مسيرتها خلال خمسين عاماً بمحطات من التطور لم تهمل مسيرتها السابقة أو تهدمها بل كانت تبني عليها، ومن ذلك أنها حافظت على سماتها العامة في كونها مجلة ثقافية شاملة، وقد حافظت على هذا النهج ثم أضافت له ما يرسخ وجودها الثقافي ومساهمتها في العمل الثقافي من خلال إستراتيجية النشر التي سنتناولها في هذا المقال.
تحمل المجلة العربية على عاتقها وجدت المجلة العربية الدعم من صاحب القرار، لأداء رسالتها الثقافية والأدبية، هذا الدعم حظي بالجو الثقافي والأدبي بشكل عام في المملكة العربية السعودية من خلال الفعاليات الثقافية والأدبية المتنوعة، وغير ذلك من عوامل أخرى بارزة منها أيضاً تكامل أدوار المؤسسات الثقافية وتعاونها بما يخدم الأهداف العامة للثقافة في المملكة العربية السعودية التي يشكل اهتمامها بالثقافة والأدب جانباً مهماً من أهداف متعددة تسعى لأن يكون الإنسان السعودي في المكانة التي يستحقها.
ففي مرحلة من تاريخ المجلة العربية، كان مجرد ما بين غلافيها من مواد تحريرية كفيل بأن يشد القارئ الذي كان حينها يتلهف لصدور المجلة الورقية ليتماس مع ورقها مادياً ومع موادها الثرية فكرياً وثقافياً وأدبياً.
وفي مرحلة لاحقة، ولأسباب يطول شرحها تتعلق بدخول عصر جديد لم تعد الدنيا بعده كما كانت، عصر تميز بتقنيات جديدة غيرت مفهوم الاتصال ومفاهيم التواصل والإعلام بشكل عام.
وسط هذه التغيرات تولدت على فترات فكرة تدعيم المجلة بكتاب مرفق، ومن ثم إصدارات لتكون لاحقاً سلسلة كتب في مجالات مختلفة.
كتاب العدد.. فكرته وتطوراته
بدأت فكرة وجود كتاب يصدر هدية مع العدد أثناء رئاسة حمد القاضي، حيث رافق العدد رقم 240 أول كتاب عدد مرافق للمجلة كهدية نفيسة، وكان يحمل عنوان (الإسلام والغرب.. حوار لا صراع) للكاتب (سعيد عطية أبو عالي) وذلك بشهر محرم عام 1418هـ الموافق لشهر مايو 1997م.
وقد دأبت المجلة العربية بعد ذلك على انتقاء أبرز العناوين لأدباء ومثقفين سعوديين وعرب لتكون لهم بصمة في إثراء مسيرة الكتاب المرفق مع المجلة، فقد كتب الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ عن (المرأة كيف عاملها الإسلام) في الكتاب المرفق مع العدد 279، وجاء كتاب غازي القصيبي الذي يحمل عنوان (تجربة اليونسكو دروس الفشل) مرفقاً مع العدد 285، وكتب عبدالعزيز الخويطر كتاباً بعنوان (جمع الجواهر في الملح والنوادر) ليكون ضمن العدد 348، وبعنوان (من سجن الأسطورة إلى رحم التاريخ) كتبت فاطمة إلياس كتابها المرفق مع العدد 371، وكتب عاصم حمدان في العدد 407 كتابه عن (الشعر في المدينة المنورة بين القرنين 12 - 14هـ)، ويثري رشيد الخيون العدد 432 بكتابه (آراء إخوان الصف وخلان الوفا إعجاب وعجب)، ويكتب زكي مبارك عن (العشاق الثلاثة) مرفقاً مع عدد 442، ويطل عباس العقاد برائعته (اللغة الشاعرة) ضمن كتاب العدد 450، ولم تغفل المجلة العربية الصورة وقيمتها في التأريخ لحقب وأحداث مهمة، فها هو كتاب (عدسة التاريخ) لأسامة الفليح يأتي مرفقاً ضمن كتاب العدد 469 ويحوي صوراً فوتوغرافية تاريخية لأماكن مختلفة للمملكة وكذلك لشخصيات بارزة. ولإيمان المجلة بإرثنا الثقافي فقد أعادت نشر بعض مما تضمنته الصحف والمطبوعات السعودية القديمة مما له صلة بالأدب والثقافة السعودية؛ ففي العددين 541-542 تم نشر (مختارات أدبية من جريدة حراء)، وتضمّن العددان 548-549 نشر (مختارات من جريدة عرفات)، وجاء مرفقاً مع العددين 568-569 (مختارات من مجلة قريش).
وتم تطوير كتاب المجلة العربية بعناوين مختلفة في التراث والآداب والتاريخ والعلوم وكافة الموضوعات ذات الطابع الثقافي. وقد أصدرت المجلة العربية حتى كتابة هذه السطور ما يربو على 340 كتاباً مرفقاً.
المجلة العربية.. دار النشر
برقم تجاوز الـ 320 كتاباً مازالت المجلة العربية تضفي على الساحة الثقافية فنوناً من الإبداع في النشر. لم تكن المجلة لتسمح للزمن بتجاوزها ولا بأن ترى تلهفاً عربياً لمواضيع اختارتها بعناية لتكون نبراساً لمشروع ثقافي كبير جاوز طموحها وحملها ثقلاً تنويرياً لفتح المجال للكتاب العرب وغير العرب ليجدوا منبراً يطلقون من خلاله عنان إبداعهم.
ومنذ العام 2010 بدأت المجلة العربية مرحلة جديدة إبان تولي د.عثمان الصيني رئاسة تحريرها، فأصبحت مركزاً ثقافياً أكثر شمولية، وتحولت في ذلك العام إلى دار نشر للكتب، وكان اختيار العناوين للنشر من خلال فرز دقيق لأبرز الكتب، ولم يقتصر النشر على عناوين الثقافة بل كان التنوع ديدناً للمجلة؛ فهناك كتب التاريخ والسير والعلوم والآداب والشعر والآثار وغيرها الكثير، إضافة إلى الموسوعات الشاملة التي لابد من وجودها في مكتبة القارئ العربي، كما لم تغفل المجلة اهتمامها بتنشئة جيل جديد على المسار الثقافي من خلال كتب الأطفال عبر عدد من القصص والكتب العلمية والمعرفية والتعليمية الخاصة بالطفل، ومراعاة أعمار الناشئة من بداية مسيرتهم التعليمية وحتى المراحل النهائية في التعليم. وتميزت إصدارات المجلة العربية التي تعنى بالطفل باتباع أحدث ما توصلت له كتب الأطفال من إخراج فني ورسومات، فضلاً عن المحتوى الثري المتنوع بين القصص والأشكال التعليمية، إضافة إلى الموسوعات العلمية المترجمة الخاصة بالأطفال التي تبسط النظريات العلمية المعقدة للأطفال مصحوبة بتجارب علمية، ولاقت كتب الأطفال رواجاً كبيراً في معارض الكتاب العربية التي شاركت فيها المجلة.
كما حرصت المجلة مؤخراً على إبراز سير الرواد عبر كتب نوعية لاقت استحسان القراء حيث كان كتاب (خالد الفرج.. شاعر الملك عبدالعزيز في الخليج) لمؤلفه (عدنان السيد محمد العوامي) أحد أبرز كتب السير والذي أصدرته المجلة العربية عام 2024م، كما أن المجلة العربية لم تكن بمنأى عن معايشة الأعوام الثقافية التي تطلقها وزارة الثقافة السعودية حيث واكبت عام الإبل 2024م بكتاب للدكتور سليمان الذييب تحت عنوان (الإبل.. عطايا الله).
وعندما نرى الأرقام التي طبعتها المجلة العربية على جبين الثقافة العربية بأكثر من 320 إصداراً متنوعاً خلال 14 عاماً منذ تحولها إلى دار نشر، فإننا نلحظ غزارة الإنتاج النوعي للمكتبة العربية والإثراء للشارع الثقافي، وذلك لا يأتي إلا بجهود كبيرة من الجميع.
كما أن المجلة العربية تفخر بشراكتها النوعية مع عدد من المؤسسات الثقافية لنشر المعرفة، ومنها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وذلك ضمن خطة خاصة بالنشر تعنى بالكتب العلمية من خلال مسار التأليف لمؤلفين بارزين بعناوين فريدة، وكذلك مسار الترجمة لكتب أجنبية متميزة حاصلة على جوائز عالمية. وقد استفادت المجلة العربية من معارض الكتب الدولية لمعرفة أبرز ما وصلت إليه صناعة الكتاب من تقدم، وطبقت منها أفكاراً خصوصاً في كتب التراجم، وهذا ما رأيناه في كتاب معجم الفلاسفة الذي لاقى صدى كبيراً، وهو عبارة عن معجم ألف بائي حول المبادئ الفلسفية عبر العصور.
كما أن المجلة العربية لم تغفل ما سبق نشره في أعدادها القديمة، حيث استغلت مناسبة مرور أربعين عاماً على صدورها باحتفالية ثقافية جميلة رصدت فيها أبرز ما نشر في أعدادها منذ بداية الصدور، وقد شملت هذه الكتب عدة جوانب وهي: (المدن، الحوارات، الدراسات الأدبية، القصائد، القصص القصيرة، الإعلام، الصور النادرة).
وفي الختام كانت المجلة العربية وما زالت وستظل نبراساً للثقافة العربية والمنبر الذي يحمل على عاتقه هم نشر الثقافة للعالم العربي، وإبراز كل جديد للوسط الثقافي، كما أنها ستتبنى -كعادتها- أسماء جديدة على الساحة الثقافية لتقدمها كمشاريع إثرائية للميدان الثقافي رغم ما تواجهه الثقافة العربية من أمواج وسائل التواصل والتقنية الحديثة التي تكاد تعصف بها.

ذو صلة