مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

ويسألونك عن القيم؟!

في إطار ما يتم طرحه من رهانات حول المستقبل الخاص بالقيم، تكون التساؤلات الآتية: ما شكل المنتوج القيمي في المستقبل، مع ما يمور به العالم، وما انعكاسات ذلك على المجتمع؟
يجتاز العالم اليوم أزمة قيم حيث يرتبط ذلك بالعولمة، والتطور التقني، وغلبة المادية التي لا تقيم وزناً للقيم.

منذ بداية الحداثة نشأت مقولتان أخلاقيتان تمثلتا في الكلية والمثل المطلقة، والثانية تتمثل في التعددية، وتنوع الممارسات.
لما كان موضوع القيم من الموضوعات ذات التقاطعات العديدة بين كثير من التخصصات في العلوم الإنسانية، كعلم الاجتماع، وعلم النفس، والفلسفة، وعلم الاقتصاد، فإننا نجد أكثر من تعريف للقيم.
مقولات وإشكاليات
تصاحب الأزمات المجتمعية عادة مقولات عن تدهور الأخلاق والقيم وانحطاط الثقافات.
يشتكي علماء الاجتماع مما يسمى بالفساد، أو السيولة، وعدم الانضباط وتفكك الأسرة، وانتشار قيم المادية، وظهور أنماط جديدة من الجرائم، والتلوث، وتغريب الحياة الاجتماعية سواء أكان ذلك في أنماط السلوك اليومية، أو في اللغة المتداولة.
أما المهمومون بالثقافة فيرون أن نمط الثقافة الهابطة هو الذي يشيع مع ظهور نمط التفكير المتطرف.
وهنا تكون التساؤلات
أي نوع من الأشخاص ينبغي أن أكون؟
إلى أي من الأشياء في الحياة تستحق أن نريدها، أو نجري وراءها؟
هل هناك قيم شابة، وأخرى طاعنة في السن؟
هل أولويات القيم لدى الفرد يتم تحويلها وتبديلها وفقاً لمقتضيات المرحلة العمرية، ووفقاً للوضعية المهنية والاجتماعية والاقتصادية؟
هل أصبح لكل جماعة قيم تختلف عن الأخرى، وكيف تتحدد؟
هل توجد إمكانية لإحلال بناء قيمي محل آخر، وكيف يتم ذلك في التحولات المجتمعية؟
هل بالفعل القيم مطلقة وثابتة لا تتغير عبر الزمان والمكان، أم أنها نسبية؟
هل تتأثر القيم بالأزمات والصدمات؟
هل هناك تراجع لبعض القيم؟ أم هناك اختفاء؟
ما نمط القيم المرغوب؟
المحددات الرئيسة للقيم
- إن اعتناق الفرد لقيم معينة يعني توقع ممارسته لأنشطة سلوكية تتسق مع تلك القيم.
- تلعب القيم دوراً في تحديد المعايير التي يرتضيها المجتمع، وتستخدم في الحكم على مدى قبول سلوك الفرد.
- تكتسب القيم من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، ولها ترتيب وفقاً للأهمية، وأيضاً لها أولوية في حياة الفرد.
- تختلف القيم من وقت لآخر، ومن ثقافة لأخرى، فهي نسبية غير ثابتة.
المنتوج الفني وترسيم القيم
كيف يكون الفن مؤشراً للأزمات؟ ومساهماً في الخروج منها؟ وكيف يرتبط الفن بالقيم؟
يستمد الفن مادته من الأحداث المجتمعية بمفهومها الواسع، وأيضاً من الأحداث التاريخية، ومن ثم يكون بمثابة الظاهرة الاجتماعية التي تتشكل بتطور المجتمع وأحداثه، لذا أتت ضرورة الوعي بالسياق المجتمعي الذي تنتج فيه الظاهرة الفنية، وعند دراستها لابد من الإحاطة بالإطار الثقافي الحاكم للمجتمع.
وهذا ما يؤكده بورديو في كتابه (قواعد الفن) على وجود العديد من العناصر الفاعلة المرتبطة بإنتاج العمل، وإنتاج قيمته. وبالتالي نرى أن العمل الفني في علاقة جدلية، نستطيع التعرف عليها من خلال علاقة المناخ الاجتماعي الثقافي بالأشكال الفنية المنتجة.
وأيضاً من خلال فهم توجهات الجمهور الذي يلعب دوراً في تشكيل المنتج الفني.
وإذا كان الفن من أشد الوسائل تأثيراً في الجمهور فذلك لاعتبارات شتى:
- أنه بمثابة ظاهرة اجتماعية تتشكل في إطار التكوين المجتمعي.
- أنه يدخل في علاقة تفاعلية وتبادلية مع الواقع الاجتماعي الذي يؤثر فيه ويتأثر به، وربما يكون في بعض الأحيان قادراً على توجيه سلوك الأفراد وتشكيل قيمهم.
- أنه يتشكل في ضوء الإطار الثقافي للمجتمع، وبالتالي يرتبط بقيم وسلوكيات الأفراد وبالتالي سيؤثر في التكوين الاجتماعي والثقافي لهم داخل المجتمع. ومن ثم توجد علاقة جدلية بين الظرف المجتمعي والقيم التي حملها العمل الإبداعي.
ويرى بورش في نظرية الفيلم أن اختلاف الأشكال السينمائية لا يتم فهماً إلا في ضوء العلاقة الجدلية القائمة بين مشكلات التنظيم الاجتماعي والوقائع التاريخية، والفهم الجدلي الذي لا يقتصر -فقط- على قضايا السينما فحسب، ولكن يشمل قضايا الفن عموماً.
ومع بدايات السينما في أوائل القرن العشرين، تطلعت المجتمعات إلى فن سينمائي يعمل في إطار حركة التحديث والاستقلال التي عمت الأدب، والفكر، والإدارة، والتعليم، والسياسة والاقتصاد، حيث مثلت السينما باعتبارها صناعة وجهاً من أوجه الحداثة، لاريب في مساهمتها في تحديث المجتمع.

ذو صلة