مع تطور الأيام وذيوع وسائل التواصل الاجتماعي تذوب الفوارق بين الشخوص، وهنا لا نقصد بذوبان الفوارق هو المساواة بين الناس فهذا شيء محمود، بل نقصد ذوبان الخصوصية التي تؤدي بطبيعة الحال إلى ذوبان الهوية.
في السطور التالية نستعرض اندثار بعض الكلمات من القاموس الصعيدي في جنوب مصر.
من المعروف أن صعيد مصر يعد من أكثر الأمكنة في العالم ثراء في لهجاته وأغانيه وأمثاله الشعبية وعديدة. ولكن الحداثة نالت منه الكثير فأجهزت على بعض مفرداته التي اخترنا منها في هذا المقال عشرين كلمة وحرفاً لم يعد لهم وجود في الصعيد الجواني فصاروا أثراً بعد عين.
مفردات القليل
والقليل كلمة فصحى لا تحتاج إلى توضيح وسبب ذكرها أن أهل الصعيد الجواني (سوهاج. قنا. وأسوان) كانوا يستعيضون عنها بخمس مفردات تبدو غريبة لغيرهم إلا أن هذه الكلمات كانت تجري على ألسنتهم بشكل يومي: 1 - هفّه. 2 - هبابة. 3 - دِنشَة.
4 - نِتشَة. 5 - أتَره.
مفردات الكثرة
6 - علسة: حتى وقت قريب كان أهل الصعيد الجواني يستخدمون مفردة علسة كدليل على الكثرة وحين بحثت عن كلمة علسة في معاجم اللغة العربية وجدتها تعني أكل وشرب أو صخب أو اشتد وعظم ويقال علست الإبل أي أصابت ما تأكله. وكلها معان لا تتسق مع معناها في صعيد مصر الذي يراد به الكثرة. على سبيل المثال: (النهاردة جبت علسة بلح)؛ أي أتيت بالكثير من البلح.
7 - شلوفة: هي مفردة صعيدية بامتياز في الغالب لا يعرفها غير أهل الصعيد. والشلوفة هي الشفة، وجمعها شلاليف، والمقصود بالشلاليف الشفتان. وهناك مثل شعبي يدل على البون ذكرت فيه هذه المفردة، وهو: (أيه جاب الديل جنب الشلوفة). والشلوفة كما ذكرنا هي الشفة وهي أبعد جزء في جسد الحيوان عن الذيل. ونلاحظ أن أهل الصعيد استخدموا الدواب في مثلهم الشعبي وهذا ليس مستغرباً فكل يستقي أمثاله من مفردات بيئته. ذلك لأنهم مجتمع زراعي يستخدم الدواب ويقتني الماشية. ويقال هذا المثل حين يلتقي غريمان أو يتفق ضدان أو يقترب بعيدان وهو يعادل المثل الشعبي (أيه جاب الشامي جنب المغربي). واندثرت هذه المفردة منذ عقدين من الزمان تقريباً فأضحى أهل الصعيد يقولون على الشفه شفة ولا ينعتونها بالشلوفة.
8 - خشم: كان أهل الصعيد يقولون على الفم خشم وهي كلمة موجودة في بعض البلدان العربية ولكن مع تطور الأيام أضحى الصعيد يقول على الفم (بق) كما يقول القاهريون وأهل الشمال.
9 - فَنس: كلمة فنس كلمة عتيقة في صعيد مصر ومعناها طل أو نظر، يقال فلانة فنست من الباب. أي طلت من الباب أو نظرت من الباب وهي تعادل كلمة بص. (فلانة بصت من الباب)؛ تعني نظرت إلى الشارع.
10 - زنقور: هي واحدة من المفردات المندثرة في صعيد مصر. والزنقور بتعطيش القاف التي تنطق (ج) قاهرية هو الركن. يقال: (الحاجة الفلانية في الزنقور)؛ أي في ركن الدار أو ركن الغرفة.
11 - عيّط: تعني كلمة عيّط في القاهرة والدلتا بكى. يقال فلان عيّط من الفرحة أي بكى من الفرحة، بينما في صعيد مصر كانت تستخدم هذه الكلمة بمعنى مغاير. حيث كانت تعني نادى بصوت مرتفع. يقال: (فلان عيط على فلان) أي نادى عليه.
12 - نادم: تنطق هذي المفردة بفتح الدال وتعني نادى، وهي تعادل كلمة عيّط. يقال: (فلان نادم على فلان ومسمعهوش) أو نادمت عليه أي ناديت عليه بصوت عال.
13 - هنكّه 14 - هنكهيتي 15 - أبِينهي: كما ذكرنا آنفاً أن الصعيد ثري في مفرداته لذا تجد للكلمة الواحدة عدة مفردات تؤدي نفس المعنى وإن اختلفت حسب القرب أو البعد، على سبيل المثال كلمة هناك. التي تقال بقصد الإشارة إلى مكان غير المكان المتواجد فيه المتحدث والتي يصحبها دوماً إشارة منه بإصبعه السبابة لتحديد المكان المشار إليه. هناك. أي هناك وهي المفردة الأصيلة.
هنكه: تعني هناك ولكن يقصد بها مسافة قريبة لا تتخطى الخمسة أمتار.
هنكّهِيتي.. تعني هناك ولكن بمسافة أبعد على سبيل المثال (روح دور هنكهيتي على حاجتك هتلاقيها).
أبِينهي. وهي تعني أيضاً الإشارة إلى المكان القريب على سبيل المثال يسأل سائل (فين كباية الميه؟ فيقال له: أبينهي)؛ أي هناك بالقرب منك.
16 - كي: أول ما سيخطر ببال القارئ حين يقرأ كلمة كي أن المقصود بها هو الكي بالنار وبالقطع لن يكون ما خطر بباله صواباً، فأهل الصعيد يستخدمون كلمة (كي) بمعنى (مثل) في اللغة العربية الفصحى، وكلمة (زي) في العامية المصرية. وفي الحقيقة هي كلمة نادرة الاستخدام قديماً وحديثاً على سبيل المثال (أحمد كي الحاج أحمد)؛ أي أحمد زي الحاج أحمد.
17 - كِيّه: تختلف مفردة (كيه) بكسر الكاف وتشديد الياء عن كلمة (كي) التي تعني (زي) فهي تعد أداة استفهام بمعنى كيف، على سبيل المثال: (كيّه رحت عند فلان من غير ما تقولي؟).
18 - استكن: هي مفردة عتيقة كانت تقولها العجائز في صعيد مصر وقد يجول ببال القارئ أنها من الإستكانة والتوكل ولكنها من السكينة. وإن كانت تخالفها لغة. في المثال التالي نوضح معنى الكلمة. تقول العجوز للشاب الذي يمر من أمام بيتها وهي تسأله عن أمه المريضة: (أمك استكنت ولا لسّه)؛ بمعنى هل شُفيت أمك أم مازالت مريضة؟
19 - هتير: تقال هذه المفردة بغرض الوصف ومعناها عبيط. كان أهل الصعيد يلقبون الشخص الساذج بالهتير. فإذا أخطأ أحدهم يعتذر أهله عن فعلته فيقولون: (والله ولدنا هتير متاخدوش عليه).
20 - كربان: لم تكن كلمة كربان بمعنى الكرب ولكن بمعنى العجلة، لذا كان أهل الصعيد يقولون: (فلان كربان علطول)؛ أي متعجل دوماً.
أما عن الحروف التي اندثرت فهي (الميم والنون والعين)، وهذا لا يعني اندثارها من اللهجة بل محوها من السبق في بعض الكلمات نأخذ منها على سبيل المثال كلمة (أقولك):
الميم: كان جل أهل قنا يضيفون حرف الميم قبل كلمة أقولك فيقولون: (مقولك أيه).
النون: في سوهاج كانوا يقولون: (نقولك أيه).
العين: في المنيا كانوا يقولون: (عقولك أيه).
ومع تطور الأيام وتسارعها واختلاط اللهجات أضحى جل أهل الصعيد يستبدلون الحروف الثلاثة بحرف الباء فيقولون: (بقولك أيه) كما يقولها أهل القاهرة والدلتا.