تخبرنا الكتابات المسمارية من المرحلة الصورية، نهاية الألف الرابع قبل الميلاد، عن اسم العرب من خلال وصف مواطن استيطانهم، فقد ورد في العلامة الصورية السومرية لفظ (تل) (DUL-DU/ TUL) (ينظر الشكل رقم - 1 -) والتي من معانيها ما يقابل في اللغة الأكدية الجزرية اللفظ (تل) (tillu) والذي يترجم إلى (تل) أو كومة أو كدس. كما تقرأ بما يقابلها باللغة الأكدية الجزرية لفظ (أردو/ عردُ)(1)(arādu)، أو لفظ (eredu) والتي تترجم إلى (نزل) أو (ينحدر من) والتي ترد كثيراً في كتابات الفال(2)، وإذا أردنا أن نقرّب المعنى أكثر فإنه يعطينا صفة النزول أي الساكن في المنزل وتحديداً في الخيام ومفردها خيمة (ينظر الشكل رقم - 1 -).
إن اسم وصفات العرب في الكتابات المسمارية ترتبط إما ببلاد أو أرض وبصيغة (كور/ مات عربي) (Kur/ Māt Arbi)، أو قوم وبصيغة (أميل عربي) (Amel Aribi)، أو نسب وبصيغة (عربُ) (Arubu)(3). ولأنّ الاسم مهما دلّ كبلاد أو مكان أو قوم أو نسب، فإنّه مرتبط بالمفاهيم التي أشرنا إليها، مما يعني وجوداً فعلياً لبلاد وأقوام لها جذور ونسب موجود على أرض الواقع.
أما ما ورد عن لفظ العرب بوصفه منطقة جغرافية في النصوص المسمارية الآشورية من العصر الآشوري الحديث، فقد جاءتنا بعدة صيغ، أغلبها مسبوقة بالعلامة الدالة على البلاد وتلفظ صوتيا (كور) (kur) ومنها(4):
kurA-ra-bi kur A- ru- bu، kur A-ra-bi، kur Ar-ba-a-a، kurAr-bá-a-a، kur Aŕ-bá-a-a، kurA- ri-bi، Ari- bi، A-ru-bu، A-ra-bi، A-ra-bu، Ar-a-bi، Ar-ba-a-a
ثانياً: متى عُرف عن العرب بأنهم قوة عسكرية ضاربة؟
عُرف عن العرب أنهم قوة ضاربة عسكرية تواجه الجيوش الآشورية وغيرها من جيوش حكّام بلاد الرافدين منذ بداية الألف الأول قبل الميلاد، فقد تعددت الإشارات للفظ عرب، بالخصوص في المصادر المسمارية، والتي عُرفت بداية من النص المسماري الشهير الذي يعود تاريخه إلى حملة الملك الآشوري شلمنصر الثالث (858 - 823 ق.م) على شمال الجزيرة العربية ومقاتلته لأقوام كان من بينهم أقوام يمثلهم ملك باسم الأقوام العربية(5). والنص مدون على قطعة حجر كبيرة من نوع الحجر الجيري بارتفاع 221 سم وعرض 87 سم وعمق 23 سم، وهي من مكتشفات الأثاري البريطاني جون جورج تايلور John George Taylor والذي كان يعمل قنصلاً عاماً لبريطانيا في الدولة العثمانية عام 1861م، وقد اكتشف المسلّة في مدينة صغيرة تسمى (كورخ) (Kurkh) في جنوب شرق تركيا بمحافظة ديار بكر، ووضعت في المتحف البريطاني عام 1863 بالرقم: ME 118883 ME 118884، (ينظر شكل رقم- 2 -)
لقد شنّ الملك الآشوري شلمنصر الثالث حملته العسكرية على دويلات الشام في معركة القرقار سنة 853 قبل الميلاد، وورد في النص المسماري ذكر أحد زعماء العرب الذي تغلب عليه مع حلفائه، واسمه (جنديب) (Gindibu) أو (جندب) العربي الذي حارب ورجاله جيش الملك الآشوري المذكور، ويبرز ذكر ملك بلاد العرب في العمود الثاني الأسطر من 86 - 94، (ينظر شكل رقم - 3 -)، والسطر الأخير فيه إشارة واضحة إلى أن جنديبو كان على رأس 1000 جمل تعود إلى بلاد العرب(6)، (ينظر النص المقروء). أما باقي البلدان فيشير النص إلى تحالف عدد من الملوك، ضمنهم ملك العرب، وترجمة الأسطر هي(7):
(تم تشكيل تحالف من هؤلاء الملوك الاثني عشر، (منهم) 1000 جمل تعود إلى جندبو من بلاد العرب).
أما قراءة وترجمة السطر 94، فهي الآتي:
I LIM ANŠE gam- ma- lu ša mgi-in-di-bu-u KUR ar-ba-a-a
(ألف جمل عائدة إلى جنديبو ملك بلاد العرب)(8)
ثالثاً: العرب قوة مؤثرة في الوثائق المسمارية (منتصف الألف الأول ق.م)
عندما نصل إلى منتصف الألف الأول قبل الميلاد، فإن الكتابات المسمارية البابلية من فترة الملك نبوخذ نصر (605 - 562ق.م) تشير إلى أنه شنَّ حملة ضد بلدان منها بلاد العرب، حيث يرد في النص المسماري في السطر التاسع والعاشر ذكر علامة كُور (Kur) قبل اسم العرب، وهي علامة دالة تسبق الاسم بمعنى بلاد، والتي عادة توضع قبل اسم البلدان، وذلك في عام 598 قبل الميلاد، أي قبل عام من توجهه لإعادة فرض سيطرته على فلسطين، والنص هو(9):
(9) MU 6-KAM ITI (GAN) LUGAL URIki ERÍN.ME-šú id-ke-ma ana kurḪat-tú DU-ik TA kurḪat-tú ERÍN-ni.ME-šú iš-pur-ma
(10) mad-ba-ri UŠma kurA-ra-bi ma-du-tu NÍG-šú-nu bu-li-šú-nu u DINGIR.ME-šú-nu ma-diš iḫ-tab-tu-nu ina ITI ŠE LUGAL ana KUR-šú GUR.
والترجمة هي: السنة السادسة، في شهر (كيسلمو)، حشد ملك الأكديين (بابل) جيشه وسار إلى (خاتو) Ḫattu (= بلاد الشام) أرسل جيشه من خاتو وانطلقوا إلى الصحراء. لقد أخذوا على نطاق واسع ممتلكات وقطعان وآلهة العرب الكثيرة، في شهر أدارو (آذار- مارس) رجع الملك إلى بلاده.
رابعاً: العرب قوة مؤثرة في الوثائق المسمارية البابلية (نهاية الألف الأول ق.م)
لقد تم تصنيف عدد من الأفراد في الوثائق البابلية المتأخرة على أنهم عرب من المصطلح الأكدي للعرب وهو (عربا) (lúAr-ba-a-a)، وتعود الإشارات النصية الفلكية من جديد لذكر العرب كياناً خارج حدود بابل في الجزيرة العربية، خلال القرنين الأخيرين من قبل الميلاد، ولكن هذه المرة بوصفهم قوة تهاجم المدن في بلاد بابل، إذ يشير جزء من يوميات فلكية محفوظة في المتحف البريطاني بالرقم (BM 34433) يعود تاريخه إلى عهد ديميتريوس الأول البارثي (الذي حكم من 161 إلى 150 قبل الميلاد) إلى وجود قوات من العرب في أرض شبه الجزيرة العربية، كانت تهدد بابل على جانبها الجنوبي الغربي، ليستمر الخطر العربي من خلال اليوميات من سنوات 130 إلى 106 قبل الميلاد، عندما انتقلت السيطرة على بابل إلى البارثيين، وذلك واضح في النصوص المدونة من نهاية القرن الثاني قبل الميلاد(10):
- في العام 123 ق.م وعلى الرغم من حالة الرقيم السيئة نجد ما نصه:
ITI BI lúAr-ba-a-a (10,) (ZI.MEŠ-nim-ma ku)r URIki gab؟-bi NIGIN-ú UD.MEŠ MAḪ.MEŠ KÁ.[GAL؟.ME]Š Eki
(في ذلك الشهر (جاء العرب و) أحاطوا ببلاد أكد بأكملها، ولأيام عديدة لم يتم فتح البوابة العظيمة لمدينة بابل).
- في السنة 119 ق.م يبدو أن قوة العرب القادمين من الجزيرة كانت تتعاظم بحيث استطاعوا محاصرة مدينة بابل لأيام، حيث تذكر النصوص الفلكية أنه وبعد انسحاب العرب خارج المدينة استطاع السكان الخروج من أبواب مدينة بابل:
lúAr-ba-aa È lúUN.MEŠ T [A] ⌈E⌉ ki a-na ÍD.MEŠ u EDIN.MEŠ šá la lúAr –ba-[aa] -a È-ú [xxx]
(عندما) خرج العرب، خرج الناس من بابل إلى الأنهار والريف الذي كان (الآن) بلا عرب.
الخاتمة
إن العرب، ومنذ أول ظهور لهم بشكل صريح في الكتابات المسمارية الملكية من القرن التاسع قبل الميلاد؛ كانوا قوة مؤثرة لها كيان سياسي وعسكري، ثم بدأ لفظ العرب، كما يفهم من الوثائق المسمارية، يتردد استعماله ويتسع تدريجياً إلى أن أصبح في النهاية عَلَماً يطلق على كافة سكان الجزيرة العربية، ثم أخذ ينتشر بعد التوسع الإسلامي، والذي شمل كافة أقطار الوطن العربي.
إنّ دور العرب، بوصفهم قوة مؤثرة في المنطقة، مرتبط باسم الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام وإلى يومنا هذا. وهي أرض الرسالات والأنبياء، وهي أيضاً الأرض التي اختارها الله لتكون خاتمة الرسالات السماوية. وتجدر الإشارة إلى أن الكتابات المصرية القديمة تسمي أرض العرب بأرض الله(11). وهي كذلك مهبط الوحي وأرض خاتم الأنبياء والمرسلين محمد -صلّى الله عليه وسلم، وهي اليوم ممثلة بالمملكة العربية السعودية هي أرض الخير والبركة والنماء والتطور الذي عمّ كافة المجالات الحياتية، ووفق إرادة ورؤية حديثة تواكب متطلبات الريادة والتقدم في ظل قيادة حكيمة تسعى من أجل جعل المملكة والجزيرة العربية السبّاقة في كل المجلات.
-1 Labat R، Manuel D Épigraphie Akkadienne (=MAD)، 2002، Paris، No.459، p.205.
-2 The Assyrian Dictionary of the Oriental Institute of the University of Chicago، Chicago، 1956ff، vol. A، p. 212، (= CAD)
-3 عارف إسماعيل، العلاقة بين العراق وشبه الجزيرة العربية، (ط1، صنعاء: مركز عبادي للطباعة والنشر، 1998م)، ص127.
-4 Eph΄al، I.، The Ancient Arabs Nomads on the Borders of the Fertile Crescent 9 th-5th Centuries B.C، Jerusalem، 1984، p.6.
-5 Eph΄al I، 1984: The Ancient Arabs: Nomads on the Borders of the Fertile Crescent، 9th–5th Centuries B. C. 2nd rev. reprint. Jerusalem; Zadok R، 1981: Arabians in Mesopotamia during the Late-Assyrian، Chaldean، Achaemenian and Hellenistic Periods Chiefly According to Cuneiform Sources، ZDMG 131,42–84.
-6 رضا جواد الهاشمي، آثار الخليج العربي والجزيرة العربية، (بغداد، مطبعة جامعة بغداد، 1984)، ص279.
-7 Grayson A Kirk (1996)، Assyrian Rulers of the Early First Millennium BC II (858-745). RIMA 3، in: THE ROYAL INSCRIPTIONS OF MESOPOTAMIAASSYRIAN PERIODS/ VOLUME 3، University of Toronto، p. 23.
-8 Grayson A K، (1996)، Assyrian Rulers of the Early First Millennium BC II (858-745). RIMA 3، in: THE ROYAL INSCRIPTIONS OF MESOPOTAMIAASSYRIAN PERIODS/ VOLUME 3، University of Toronto، p.23.
-9 Grayson A K، (1973)، Assyrian and Babylonian Chronicles (= TCS 5)، p.101
-10 Paul-Alain Beaulieu، op.cit، p.50
-11 Dougherty R P، The Sealand of ancient Arabia Yale University Press، 1932، p.170