مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

أرواد.. لؤلؤة الساحل السوري وقصة عشق طرطوسية

عشق المغامرة، وحب الاكتشاف، والكثير الكثير من الدهشة، زوّادتك لتكون سعيداً في رحلة تحتاج فقط إلى ربع ساعة من طرطوس على متن أحد القوارب لتكون في قلب اللؤلؤة (أرواد).
إنها أرواد.. الجزيرة الفينيقية التي ذكرها ياقوت الحموي في معجمه، كانت عاصمة مملكة ازدهرت في الألف الثاني قبل الميلاد، عاشت عصرها الذهبي في القرنين الرابع عشر والثامن عشر قبل الميلاد.
حاربت أرواد مع الحيثيين ضد المصريين، ثم خضعت للآشوريين، وفي عام 604 قبل الميلاد خضعت لنبوخذ نصر الكلداني.

موقعها الجغرافي
تقع جزيرة أرواد أمام السواحل الشرقية للبحر المتوسط، قبالة البر السوري على مسافة 4150م جنوب غرب طرطوس، وعلى مسافة 2450م عن خط الساحل السوري، وللجزيرة شكل قريب من نصف الدائرة غير المنتظمة، مساحتها 200,6 هكتار، وارتفاع أراضيها لا يزيد على 14م.
طبيعتها
تتألف صخورها من طبقات طينية حديثة، تعود إلى الحقب الجيولوجي الرابع، تغطي صخوراً رملية تعرف بـ(حجر الرملة) من العصر البليوسيني، تليها طبقات من صخور المارن والغضار والكلس، من العصر الكريتاسي في الحقب الثاني.
مناخها متوسطي بحري، أمطاره شتوية وخريفية وربيعية، متوسطها السنوي بنحو 800 م.
تتراوح الحرارة فيها ما بين 27 و7 درجات، رطوبتها عاليــــة صيفاً تصــــل إلى أكثـــر من 90 ٪.
تتعدد الجهات التي تهب منها الرياح ولها عدة تسميات، فالرياح التي تهب من الجنوب الغربي تسمى (الملتم)، والرياح التي تهب من الجنوب الشرقي (الشلوق) ومن الشمال (التحتاني).
ويسبب الضباب الربيعي المسمى (سريدا) يحجب الرؤية فتتوقف حركة المراكب.
الآثار فيها
توجد فيها معالم أثرية عديدة منها المرفأ، والسور الذي بني من حجارة ضخمة يصل وزن بعضها إلى عشرين طناً، وارتفاعها إلى عشرة أمتار، أقيم السور من أجل حماية المدينة من العواصف البحرية.
كما توجد القلعة والبرج وبقايا ملعب رياضي، كان الأرواديون يقيمون عليه الألعاب الأولمبية.
الآثار التي تم اكتشافها في أرواد، هي آثار معمارية وكتابات منقوشة، بلغ عددها 22نصاً حتى عام 1938، وأول من قام باستطلاع أثري هو (أرنست رينان) أثناء رحلة إلى سوريا عام 1869.
واقتصرت الدراسة على جدران السور والمنازل وبعض المخطوطات، وقواعد التماثيل، وقامت (أونور فروست) بعمل دراسة أثرية تحت الماء، وبعد ذلك قام علماء الآثار السوريون باستطلاعات مهمة في أرواد، وتم استخراج قطعة حجرية، عليها كتابات يونانية في العصر الروماني، مؤلفة من أحد عشر سطراً، نقلت إلى الفرنسية، ثم ترجمت إلى العربية، واكتشف حجر أسود بازلتي عام 1983 وبجانبه حجر رخامي، نقش عليه خمسة سطور يونانية، يعود إلى أيام الإمبراطور طيبريوس.
مرفأ أرواد
تم تحسينه وتوسيعه عام 1961 حيث تم بناء مكسر رئيسي، في الشمال والشمال الشرقي، طوله 575م متصل بالرأس الشمالي، ومكسر ثانوي طوله 132م متصل بالرأس الجنوبي القبلي، ويقسم رأس الفدوة البارز، في منتصف الساحل الشمالي الشرقي، المرفأ إلى حوض الشمالية وحوض القبلية، إضافة إلى رصيفين صغيرين أقيما في هذين الحوضين.
تتبع الجزيرة صخرة صغيرة في شمال غربها تكاد تلتصق بالساحل، تعرف باسم (بنت أرواد).
أما تسمية (بنات أرواد) فهي تطلق على الجزر الصخرية الواقعة جنوب أرواد، على امتداد محور طولي (شمالي - جنوبي)على مسافة نحو 15كم، وهي جزر (الحبيس) و(أبو علي) و(موشار) (الجورة)، وتعرف الجزر الثلاث الأخيرة بجزر المخروط لتجمعها على شكل مخروط.
الخدمات في أرواد
توجد فيها شبكة هاتف متصلة مع طرطوس وباقي أنحاء سوريا، وتتصل بطرطوس عبر البحر بعشرات القوارب، وتصلها الكهرباء عبر خطوط في قاع البحر، كما تصلها المياه العذبة من نبع السن منذ عام 1993، بعد معاناة من قلة المياه العذبة، حيث كان الأهالي يعتمدون على مياه الأمطار، فيجمعونها في حفر وخزانات، وعلى المياه العذبة المنبجسة من قاع البحر على شكل ينابيع تعرف بـ(الفوارات)، تقع في منتصف المسافة بين أرواد وطرطوس، حيث كان يؤخذ منها الماء عن طريق قمع من الرصاص يشبه الجرس، متصل بأنبوب جلدي.
أصل التسمية
أرواد باليونانية (أرادوس)، و(آراد) بالفينيقية وتعني الملجأ، وكانت مسكونة منذ القديم، لكن استمرار السكن على مساحة ضيقة، لم يسمح بالعثور على دلائل هذا الماضي البعيد، فأرضها صخرية دون طبقات مرصوفة، ولصعوبة التنقيب فيها بسبب أبنيتها المكتظة، في حين توجد شواهد على الاستيطان الإنساني على اليابسة، تعود إلى العصر الحجري الحديث (النيوليتيك)، والمتوسط (الميزوليتيك).
يعد سكان أرواد من قدماء أبناء سواحل بلاد الشام، حفدة الفينيقيين، الذين استقبلوا الفاتحين العرب، واعتنقوا الإسلام، ويعتقد أنهم في الأصل من مدينة صيدا، ويبلغ عدد سكانها بين 5000 و10000 نسمة تعرضت أرواد للغزو والاحتلال أكثر من مرة، ومع ذلك حافظ سكانها على بقائهم وأصالتهم.
يتكلم سكانها اللغة العربية بلهجة ساحلية مميزة، ويعتمدون في معيشتهم على صيد السمك والإسفنج، وصناعة القوارب بشتى أشكالها، وتعد الهجرة من أهم الظواهر المنتشرة في أرواد، إذ يبلغ عدد الأرواديون خارج البلد أضعاف المقيمين فيها، ويعيش معظمهم في مدن الساحل السوري، حيث يتوفر العمل في المهن البحرية، وتعمل أعداد منهم في أنحاء متفرقة من العالم، في الموانئ الكبرى وشركات الملاحة العالمية.
المدينة الغافية في حضن المتوسط
هنا تستمتع بالصمت المسيطر على المكان، بلا تلوث سمعي أو بيئي، وحده اللون الأبيض الطاغي على الحياة، البيوت طليت بالأبيض، والنوافذ زرقاء بلون البحر.
حارات وأزقة ضيقة، تحكي قصة عشق بحري لا يتكرر، تتوسط السوق الرئيسية الجزيرة، حيث الحوانيت وبائعو الخضار والفواكه والمخابز الثلاث، وفي الجنوب الغربي توجد المقبرة، حاراتها ضيقة متعرجة لمرور المشاة فقط، أرضها مرصوفة بالإسمنت والحجارة، تنقسم إلى حارتين رئيسيتين هما القبلية والشمالية، يفصل بينهما السوق، وحارة الشيخ شرف الدين، وحارة الفوقا وغيرها.
تتابع مسيرك في الشوارع الضيقة، لتجد بعض الحرفيين الذين يحولون الأصداف البحرية، إلى تحف فنية رائعة وثمينة، تباع كتذكار للسياح.
وعلى طول الكورنيش المواجه للبحر تنتشر المقاهي القديمة، وعلى الشاطئ تزدحم قوارب الصيد.
شهدت أرواد في الفترة الأخيرة تطوراً ثقافياً ملموساً، حيث تم إنشاء مركز ثقافي فيها، تقام فيه الأمسيات الشعرية، والندوات الفكرية والصحية والتوعوية، ويتم استضافة ملتقيات أدبية بشكل دائم ودوري، فالحركة الثقافية لم يحدها بعد الجزيرة عن مدينة طرطوس. تجدر الإشارة هنا إلى أن سكان أرواد من أهل النخوة والمروءة، وقد أثبتوا للعالم شهامة لا مثيل لها، عند غرق القارب اللبناني العام الماضي قبالة السواحل السورية، فقد غامروا بأرواحهم وقواربهم ولقمة عيشهم، لينقذوا غرقى القارب. فلهم التحية والتقدير.

ذو صلة