شغلت المجلة العربية بمختلف أعدادها حيزاً من أرفف مكتبة سيدي الوالد الأستاذ الدكتور: عبدالعزيز بن محمد الفيصل -حفظه الله-، فمنذ وعيتُ القراءة والكتابة وأنا أعُدُّ هذه المجلة لبنةً من لبنات المكوّن الثقافي الذي برزت مهمته في إيقاظ الوعي، وتحفيز مكامن السعي خلف المعرفة، فكان هذا المنبر الفكري منبراً ذا طابع خاص، ورونق منفرد، وواحداً من الصروح الثقافية السعودية والعربية التي يشار إليها بالبنان.
لقد استطاعت المجلة العربية أن ترسم في أذهان أبناء جيلي، صورة مشرقة دفعتنا للفخر والاعتزاز بالأدب السعودي، إذ كانت المواد التي تنشرها تعزز الهوية الثقافية السعودية، وأصبحت منارة علمية وأدبية لها تأثيرها الكبير في الوسط الثقافي، وما زالت (المجلة العربية) ترتقي في مدارج النجاح والتأثير، وقد تعاقب على النهوض بها نخبةٌ متميزةٌ من المثقفين، أذكر منهم: الأستاذ حمد القاضي، والدكتور عبدالعزيز السبيل، والدكتور عثمان الصيني، وصولاً إلى هذه الحقبة المضيئة من عمر المجلة، والتي يديرها الأستاذ محمد السيف، الذي يتولى زمامها في وقت تمر فيه الصحافة عموماً بمعركة وجودية! إلا أنها استطاعت أن تتغلب على هذه الظروف، وأن تتجاوزها، وها نحن نشاهد هذه الإنجازات الصحفية التي تقدمها المجلة، في مختلف الأشربة الثقافية.
إنّ من أجمل المبادرات الفكرية التي قدمتها المجلة العربية للمجتمع الثقافي (كتاب العدد) الذي يصدر مع كل عدد جديد للمجلة، وقد ولد هذا الابن البار للمجلة مع صدور عدد شهر محرم عام 1418هـ، وكانت صفحات هذا الكتيب لا تتجاوز اثنتين وثلاثين صفحة! ومازال هذا الكتاب يتطور حتى وصلت بعض إصداراته إلى مئتي صفحة، وكل رؤساء التحرير الذي تعاقبوا على المجلة لديهم وعي وإدراك وسعة أفق بأهمية مواصلة الإنجاز، ومواكبة التغيرات، فمنذ مطلع القرن الخامس عشر الهجري و(المجلة العربية)، تسابق الزمن من أجل تقديم مادة ثقافية رصينة هي أقرب للمادة العلمية منها إلى الصحفية.
لقد خطت المجلة العربية خطوات جادة نحو ميدان التطوير المتوازن الذي يحافظ على هوية هذه المنظومة الثقافية، ويضمن لها السير في هذا الطريق دون توقف، وهذا يتطلب مزيداً من الجهد الذي يتماشى مع طبيعة المرحلة التي تمر بها الصحافة الآن، وما فاجأتنا به (العربية)، أنها لم تحافظ على موقعها في الميدان الثقافي فحسب، بل سعت إلى تعزيز مكانتها عبر التطوير الواعي، من خلال إدارة حكيمة وجادة للمجلة تؤمن بأهمية التطوير، مع المحافظة على الهوية، وهذه من أبرز صفات رئيس تحرير المجلة الأستاذ: محمد بن عبدالله السيف، الذي يقودها منذ العام 2015م، وهو إعلامي ومثقف ومدرك للأبعاد والتحديات التي تواجه المؤسسات الصحفية، وما زلت أذكر العدد الذي أصدرته المجلة بمناسبة مرور أربعين عاماً على صدورها وكان ذلك في العام 2016م، الذي استحضرنا معه تاريخ المجلة العريق، ومستقبلها المشرق.
أبارك للمجلة العربية ولرئيسها وطاقمها، بمناسبة مرور خمسين عاماً على صدورها، وخالص الأمنيات لهم بمزيد من التوفيق والنجاح في الميدان الصحفي.
* مدير تحرير الشؤون الثقافية بجريدة الجزيرة