مجلة شهرية - العدد (576)  | سبتمبر 2024 م- ربيع الأول 1446 هـ

هل المنطقي معصوم؟

لابد من مراعاة الفنون وقواعدها لتنتج غاياتها، وتحقق ما يراد منها، وتعصم بقدر موضوعها ومحلها، فالمراعاة تقيد يد العصمة بقيد الاشتراط، فمتى تحقق الشرط تحقق المشروط والعكس بالعكس. فالمنطقي هو المعصوم فكرياً حال مراعاته فنه وقواعده وإلا فلا ضمان على المنطق، فقد أبرأ نفسه، وأحله من ذمته، فلو لبس أو غلط وغالط، كأن لبس وشبه القضية الصادقة بالكاذبة، كأن جعل الذاتيات في مقام العرضيات، أو جعل عين إحدى مقدمتي القياس الناتج، وهذا يسمى المصادرة على المطلوب، وقد كان الشرط ألا تكون إحداهما ولا غيرهما هف أي هذا خلف.
ومن صور المغالطة من جهة اللفظ كقولنا لصورة الفرس المنقوش على الحائط هذا فرس، وكل فرس صهّال ينتج أن الصورة صهّالة، أو جعل اللفظ مشتركاً وغيره أو من جهة المعنى والحقيقة كقولك: كل إنسان وفرس فهو إنسان، وكل إنسان وفرس فهو فرس ينتج عنه بعض الإنسان فرس، وهي ما يسمى بعدم رعاية وجود الموضوع في الموجبة، ومما يمثله المناطقة وضع القضية الطبيعية مقام الكلية مثل: الاسم كلمة، والكلمة إما اسم أو فعل أو حرف ينتج إن الاسم إما اسم أو فعل أو حرف، والقضية الطبيعية هي التي ينظر فيها إلى الحقيقة مع قطع النظر عن الأفراد، والطبيعيات لا ينظر لها بعين الاعتبار في العلوم لعدم إنتاجها هاهنا، وما تطرقنا إليه سابقاً هو في الجانب المادي، وأما في الجانب الصوري فهو بأن يسوغ لنفسه عمداً أو جهلاً العدول عن النظام والشكل وشروط إنتاجه المنطقية بأن لا يلتزم في الشكل الأول إيجاب الصغرى بل يجعلها سالبة، فهذا غير منتج أي عقيم، فلا يؤخذ على المنطق من طرف المغالطية، ولا يحمل أوزارهم، كما أنه ينتج في الأقيسة البرهانية اليقين، ويعطي في الأقيسة الجدلية الإلزام، وفي الخطابية الظن، وفي الشعرية التخييل وهو انقباض النفس أو انبساطها اعتبر لها الوزن أم لا.
والغرض من التغليط والمغالطة إفحام الخصم ودفعه، ويجب معرفتها للاحتراس منها، فقد قال الشاعر:
عرفت الشر لا للشر
لكن لتوقيه
ومن لم يعرف الشر
 من الخير يقع فيه
وإن غالط الحكيم سمي سوفسطائياً، وأما الجدلي فيسمى مشاغبياً، ولا يناقش من استدلّ بتصديق بديهي جلي، بل يجب قبوله إلا إن كان خفياً، فلا بد أن ينبه عليه، ولك معه سبيل المنع، وهو قولك إنني أمنع هذه الدعوى أو لا أسلم بها طالباً منه التنبيه، وإن كان تصديقاً نظرياً ومعه الدليل فلك معه ثلاث طرق:
1 - المنع طالباً في هذا المقام الدليل كما بيناه بسند أو لا.
2 - المعارضة بدليل آخر ينتج نقيض دعواه بالمثل أو القلب أو بالغير.
3 - أن تنقض دليله وهو ما يسمى (بالنقض).
وإبطال كلام الخصم قبل تدليله عليه يسمى غصباً، وهو من الوظائف المحظورة في البحث والمناظرة. ‏

ذو صلة