مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

الرقمنة التفاعلية والذكاء الاصطناعي في الرواية الجديدة

تعد رواية (في حضرتهم 2020م) أول رواية رقمية تفاعلية عربية فيسبوكية في أدب الخيال العلمي، فهي إحدى الروايات التي اتخذت (الفيسبوك) مصدراً لنقل أحداثها، وتعد أول رواية رقمية تفاعلية في (أدب الخيال العلمي الرقمي التفاعلي)، إلى جانب أوليتها في أنها رواية (فيسبوكية مشتركة)، فتأليفها مشترك بين الروائي المغربي (أ.عبدالواحد استيتو) والروائية السودانية (آن الصافي)، تلك الرواية تتسم بثنائية نشر فصولها للمتلقين الافتراضيين، فكل يوم أو يومين ينشر أحد المبدعَيْن (إستيتو، آن) فصلاً من الرواية، عبر صفحة فيسبوكية خاصة بالرواية.
ومن ثم، عرف (أميس) رواية الخيال العلمي بأنها تلك الفئة من النثر الروائي التي تعالج موقفاً، لا يمكن أن ينشأ في العالم الذي نعرفه، ويفترض أنه قائم على أساس تجديد أو ابتكار ما، في العلوم أو التقنية أو العلوم الزائفة أو التقنية الزائفة، سواء أكان منشؤها إنسانياً أو من خارج الأرض، ولذلك كانت تيمة الرواية التي بين أيدينا تتكلم عن (عصر الآلة) لواقع الآلات التقنية في عالم انقرض منه البشر كلهم إلا اثنان من البشر وأحد الحيوانات (هو، هي، القط)، واتخاذ التقنيات سبيلاً لإعادة الحياة.
لم تكن رواية عينة الدراسة (في حضرتهم) هي الأولى من نوعها في مجال الخيال العلمي بتيمتها الكبرى، وإنما تعدد الكتاب الذين استعرضوا في أعمالهم عالماً من الخيال العلمي، وأشهرهم رواية (فرانكنشتاين) للروائية (ماري شيلي) والتي صدرت عام (1818م)، وكذلك رواية (الحديقة الجوراسية) للروائي (مايكل كرايتون) عام (1990م) لكن الرواية (تحطم الثلج) التي صدرت للروائي الأمريكي (نيل ستيفنسون) هي الأقرب في محاكاتها لمناخ التكنولوجيا الذي يعيشه البشر، لكن روايته الأخرى التي صدرت عام 1992م هي الأكثر اقتراباً من الواقع الافتراضي، فهي تمزج بين علم التطور الثقافي وفيروسات الكمبيوتر، وهي تعد أول رواية خيال علمي ملحمية مزجت بين الموضوعات ذات التقنية العالية مع مشاهد من الأساطير السومرية، كما ظهرت بعض الروايات في الخيال العلمي في وقت تال لرواية (تحطم الثلج)، وحظيت بانتشار واسع، فربما لا يوجد عمل حظي بردود فعل كبيرة في جميع أنحاء صناعة الواقع الافتراضي هذه الأيام أكثر من رواية (اللاعب الأول مستعد ready player one) من تأليف (أرنست كلاين)، وقد نشرت عام (2011م)، إلى غير ذلك من الروايات الغربية التفاعلية، ومما سبق يتضح أن الغرب سبق العرب في كتابته في رواية الخيال العلمي التقليدية والتفاعلية.
سيتوقف الباحث عند التيمات السردية، من خلال (التيمة الكبرى، التيمة الصغرى) للذكاء الاصطناعي في ضوء الخيال العلمي لهذه الرواية، وذلك فيما يأتي:
أولاً التيمة الرئيسة/ الكبرى للرواية:
تدور التيمة الرئيسة لهذه الرواية حول (إعادة العالم إلى الحياة)، كما أن شخصياتها الافتراضية التي هي محور نقل الأحداث شخصيتان ناميتان فحسب (هو، هي)، فكان مناسباً أن ينقل المبدعان هذه الرواية عبر ثنائية النشر، ففصل يكتبه (أ.عبدالواحد استيتو) وفصل تكتبه (آن الصافي)، فقد انقرض البشر في فترة ما عداهما (هو، هي) ورفيقها (القط)، ففوجئا بانقراض البشر، ولم يبق إلا هما، فتواصلا عبر تقنية (الماسنجر) الافتراضي، ثم قررا أن يتقابلا، فكان شغل البطلة (هي) طوال أحداث الرواية (إعادة العالم) عبر تقنية (الذكاء الاصطناعي) بتوظيفه في تجربة (الرحم الاصطناعي) بوسيلة مراكز الخصوبة، فكان المكان الحياة هو (ملتقى النيلين) لإنجاح تجربتها، ورغم أن البطل (ثنائي: هو، هي) إلا أنها (هي) بطلة القصة ومحورها ومحركها، فهي المخطط والمنفذ، وهي التي حاولت كيفية استعادة الحياة على الكوكب الأزرق بتجربتها، مع توظيف أدوات العصر وإيجاد حلول متفردة ومبتكرة وآليات جديدة تحسب لإنسان المرحلة، أما (هو) فقد كان مهاجراً إلى جنوب أفريقيا للكسب، فلم يكن لهم هم إلا أن يعود إلى وطنه (طنجة).
وبذلك تعد تيمة (إعادة العالم إلى الحياة) هي التيمة الكبرى، التي تأتت من توظيف التجارب العلمية التقنية باستخدام (الذكاء الاصطناعي) عن طريق (الرحم الاصطناعي) بواسطة السائل المانوني (الحيوان المنوي) الذي توافر في مراكز الخصوبة، خاصة الإمارات، وسيلة لإعادة الكائنات بعد انقراضها إلى الحياة، فقد رغبت (هي) في ذلك بمشروعها (اللوتس: الخصوبة/ إعادة الحياة)، بادئة بالكائنات غير البشرية، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش على قيد الحياة بلا حيوانات برية أو بحرية للاستعانة بها باستخدامها في حاجاته أو أكلها أو...، أما (هو) فقد كان همه أن يتزوجها (هي)، لكنها كانت تتميز بقدر كاف من المستوى الثقافي العلمي، فهي لا تفكر في زواج إلا بعد أن تنجح فكرتها، وإلا فإن تزوجا (هو، هي) فكيف يتكيفا في معيشتهما بلا كائنات أخرى دونهما على الكون؟!
ومن ثم، تنوعت التيمات الفرعية لرواية (في حضرتهم) وخلاصتها كما يأتي:
1- تيمة التقنيات الافتراضية ودورها في التواصل الاجتماعي في عصر الرقمنة:
لقد كان (الهاتف) هو الوسيلة الوحيدة التي تواصل عبرها آخر اثنين على وجه الأرض (هو، هي)، فقد تواصلا عبر (الماسنجر) ومن خلال الحوارات التي دارت بينهما، كان اللقاء بعد رحلته (هو) بالسيارة للوصول إليها، وبالفعل التقيا، وهذا لم يحقق التيمة الرئيسة للرواية، وإنما كان بعد التقائهما البدء الفعلي في تنفيذها (هي) في مشروعها (إعادة الحياة).
2- فكرة إعادة الحياة إلى البشر في الرواية:
لقد اتخذت (هي) من فكرة (الذكاء الاصطناعي) وسيلة لتجربتها في (إعادة الحياة) بواسطة (الرحم الاصطناعي)، ولهذا كانت الوسائط المتعددة على اختلاف أنماطها هي (الرفيق العلمي) لها في تجربتها، فقد ضمن (المبدعان) وسائط سمعية بصرية نصية لتجربتي (ماعز، أطفال خدج) ليأخذ المبدعان بالمتلقي نحو فكرة الخيال العلمي ودوره في إعادة الحياة أو إن شئت فقل (النمو نحو البقاء في الحياة)، وبهذا كان للخيال العلمي دور واضح في أحداث الرواية، خصوصاً ما كانت تهدف إليه (هي)، مما كان سبيلاً لوسم هذه السمة الخيالية على التيمة الكبرى للرواية.
3- صراع المادة مع فكرة الذكاء الاصطناعي بين الرفض والقبول:
لم يكن تحقق التيمة الكبرى سهلاً في تجربتها (هي)، وإنما كانت هناك بعض العقبات النفسية والثقافية لتحققها، وقد ظهرت من خلال التيمة الفرعية المتمثلة في (الصراع بين العلم والوطن)، فقد كان (هدفها) طوال الرواية أن تنفذ فكرة مشروعها (إعادة الحياة) فاهتمت بجمع الوثائق والتجارب وكل ما يتعلق به، أما (هو) فقد كان شغله الشاغل أن يصل إلى موطنه (طنجة)، وهذه طبيعة كونتها (هجرته) إلى بلاد جنوب أفريقيا للسعي على الرزق، ومن خلال أحداث الرواية يتضح أن مستوى ثقافته ضعيف بما يخص التقنيات الحديثة، ولذلك كان عائقاً (أمامها) في إقناعه، أما (هي) فلم يكن لها أي هم سوى (العلم) بالبحث والاستقراء للتجارب العلمية، ولكي تقنعه (هو) بفكرتها (هي) أطلعته على بعض المقاطع السمعية البصرية لـ(تجارب الرحم الاصطناعي: الماعز، طفل خديج) خاصة فيلم (archive 2020) الذي يتكلم عن الخيال العلمي، فقد اقتنع بفكرتها، لكنه لم ينس رغبته في عودته إلى (طنجة) وطنه الأصيل.
4- تيمة أنسنة الآلة ودورها في تشغيل عجلة الحياة:
يلحظ المتلقي في بداية فصول الرواية الأولى والأخيرة أن (الآلة الحديثة) وتطورها لها دور كبير في تشغيل عجلة الحياة، فمن خلال أحداث الرواية حينما أرسل (هو) رسائل وكذلك هي على المواقع، كانت (المصابيح، المواقع الإلكترونية) وغيرها تعمل، رغم أن البشر قد انقرضوا، ولم يبق إلا (هما)، وهذا واقع حقيقي لكثير من الدول المتقدمة، التي تستعين بـ(الإنسان الآلي/ الروبوت) بالمنازل والشركات وغيرها، فصارت التقنيات الحديثة بديلاً عن الأيدي العاملة.
ومن خلال ما سبق يتضح أن تيمات رواية (في حضرتهم) جاءت مؤكدة للتيمة الكبرى إحدى موضوعات الخيال العلمي، وهي: (إعادة العالم إلى الحياة) من خلال توظيف الوسائط والروابط التي تبين فكرة هذه التيمة الكبرى، ولكي تحبك الأحداث وتحكم، كانت هناك تيمات فرعية، بينت طبيعة الأحداث للشخصيات فيها، من خلال رغبته (هو) في التفكير بالرجوع إلى وطنه (طنجة/ الأم)، إلا أنها (هي) شغلتها فكرة الخيال العلمي، ومن ثَمَّ كانت تيمة الصراع بين العلم والعودة إلى الوطن، إلى جانب تيمة أنسنة الآلات الحديثة ودور التكنولوجيا في ذلك.

ذو صلة