مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

سيكولوجية الفعل الأخلاقي

من الموضوعات الجديرة بالاهتمام والبحث نجد موضوع (سيكولوجية الفعل الأخلاقي)، حيث كانت الأخلاق وستبقى أساس رقي المجتمعات، لذلك كان لزاماً أن ينال الموضوع اهتماماً سيكولوجيا، بالنظر إلى طبيعة الأفعال والأعمال التي نقوم بها أو نسعى بها إلى غايات تعود علينا بالنفع. وللاقتراب أكثر من هذا الموضوع الحيوي نتوقف مع الباحث وليام ليلي ومقاربته لـ(سيكولوجية الفعل الأخلاقي).
سيكولوجية تفسير السلوك
إن علم النفس لا يستطيع أن يبرر أو يدين الأفعال، فيبدو من المعقول أن نعتقد بأن التفسير النفسي للسلوك يمكن أن يؤثر في أحكامنا الأخلاقية عليه. والمثال حسب وليام ليلي هو أن الإدانة البسيطة لفعل عنيف يمكن أن تتضح إذا علمنا أن ذلك العنف يرجع إلى استفزاز كبير، وهذه هي الحقيقة التي يعبر عنها المثل الفرنسي: (عندما تعرف كل شيء فسوف تغفر كل شيء).
ويذكر لنا وليام ليلي أنه توجد في عقولنا أربعة من العمليات العقلية التي تحكم سلوكنا وتحدده، وهذه الأنماط هي:
أ - النمط الفكري الحركي: فالأفكار ينجم عنها حركات مباشرة أوتوماتيكية، ومثال ذلك أننا حينما نفكر في هبوب رياح باردة ننهض آلياً ونتحرك نحو الباب ونقوم بغلقه بدون أن تكون هناك رغبة شعورية تلزمني القيام بهذا الفعل.
ب - النمط الارتغابي: فأفعالنا تتطابق مع رغباتنا، فعندما نجوع ونرغب في الطعام نأكل، وعندما يكون لدينا فضول في المعرفة ندرس، فالرغبة عملية عقلية متطورة لها أهميتها الخاصة في الفعل الأخلاقي.
ج- النمط الشعوري: ونحن نقصد بهذا النمط تلك الأفعال التي تنجم عن رغبات لاشعورية من الصعب ملاحظتها أو الالتفات إليها، بحيث تصبح كلمة (رغبة) في هذه الحالة مرتبطة باللاوعي.
د- النمط المرتبط بفكرة الواجب: وفيه تنبع أفعالنا من منطق (الإحساس بالواجب)، وهي نوع من الإحساس يعد دائماً شكلاً بارزاً من أشكال الفعل الأخلاقي.
طبيعة الرغبة
يعتبر وليام ليلي أن الرغبات تعتمد على ميول معينة في طبيعتنا البشرية، يمكن تصنيفها كالآتي:
الحاجات العضوية: وهي ميول إنسانية ضرورية لاستمرار الوجود والتطور الطبيعي للجسم، ويشترك الإنسان فيها مع الحيوانات الدنيا، وحتى مع النباتات، لأن النبات محتاج مثلنا إلى الطعام والشراب والهواء. وإذا قلنا بأن النبات والحيوان لا وعي لهما فإن الإنسان هو أيضاً يمر بلحظات لا واعية. ونحن نتشهى الحاجات العضوية، ونستهدف إشباعها ولولاها لما بقي الكائن الحي.
الغرائز: إن الغريزة ميل فطري نفسي أو موروث يحدد لصاحبها الإدراك والالتفات إلى موضوعات من مرتبة معينة تثيره على نحو محدد، وتحدد فعله بطريقة خاصة أو على الأقل تجعله يشعر بالدافع تجاه هذا الفعل، فإذا أخذنا غريزة الفرار أو الهروب كمثال نجد الفرد يميل إلى الالتفات أو إلى إدراك ضوضاء عالية، تثيره وتجعله يشعر بالخوف فيندفع نحو الهروب أو على الأقل تجعله يشعر بالدافع نحو القيام بهذا الفعل.
مذهب اللذة السيكولوجي
حسب وليام ليلي فإن لمذهب اللذة السيكولوجي أثراً كبيراً على التفكير الأخلاقي، وهو مذهب يرى أن السعادة أو اللذة غاية السلوك الإنساني. وحتى إذا ظهر أن الأفراد يبحثون عن المعرفة أو الفضيلة؛ فإنهم يطلبون هذه كوسائل تعينهم على بلوغ اللذة.
ويذكر هنا وليام ليلي أنه ينبغي أن ندرك أن مذهب اللذة السيكولوجي هذا يقابله مذهب اللذة الأخلاقي الذي لا يتسم بالأنانية ولا بالفردية، والواقع أن إظهار تهافت مذهب اللذة السيكولوجي يكمن في التأكيد على القول بأن الكائنات البشرية تبحث عن أشياء تتجه نحو غايات غير تلك المؤدية للذة الفردية البحتة، وأنه ليس من الصحيح أن الإنسان يستخدم المعرفة أو التحلي بالأخلاق أو جمع الثروة كمجرد وسائل لبلوغ اللذة.
ويرى أن أفضل هجوم على مذهب اللذة السيكولوجي هو ذلك الذي نسميه باسم (التناسي الظاهري لمذهب اللذة). حيث إن أفضل أسلوب للحصول على اللذة هو نسيانها، فلاعب الكرة الذي يفكر باستمرار في الاستمتاع الذي سيجنيه من وراء المباراة من المحتمل أن يفقد تلك المتعة، في حين أن اللاعب الذي يفكر في اللعب ويكسب المباراة يحصل على المتعة الكاملة من ورائها.
العقل دافعاً للفعل
يرى أرسطو أن الغاية في العملية الإرادية تحدد دائماً رغباتنا، وأن وضيفة العقل هو التفكير في الوسائل وليس الغايات، وبالمثل ذهب (هيوم) إلى أن (العقل يكون وينبغي أن يكون عبداً للعواطف)، ويعلق وليام ليلي بالقول: الواقع إن أصحاب مذهب اللذة السيكولوجي يتمسكون بتلك النظرة التي تقول بأن اللذة هي موضوع رغباتنا، وما على العقل إلا دور التوجيه أو الإرشاد إلى أفضل الوسائل الموصلة لتلك اللذة.
لكن هناك آخرين يرون أن ذلك أمراً خاطئاً تماماً، فيجب على العقل من وجهة نظرهم أن يلعب دوراً أساسياً لا يقل أهمية عن دور الرغبات والميول الفطرية، وذلك لما يلي:
يميل الإنسان بطبعه إلى الاتساق وعدم الوقوع في التناقض، والنزوع نحو التعقل، وكثيراً ما يصحح العقل اندفاع العاطفة وهياج الغرائز.
يكون العقل دافعاً للفعل في الأفعال الإرادية التي تنجم عن الاختيار الإرادي بين أفعال ممكنة بعد تعقل وترو كاف.
من المستحيل أن نعزل الجوانب المعرفية والإرادية والعقلانية عن دائرة أفعالنا. والقول بأن الفعل يحدث بدون إرادة أو معرفة أو تعقل هو أمر خاطئ، كما أن القول بأن الرغبات أو العواطف هي التي تقودنا وحدها نحو الأفعال تجريد زائف.
والخلاصة أن العقل يلعب دوراً مهماً في الحياة الأخلاقية بوصفه دافعاً مهماً جداً من دوافع الفعل الأخلاقي. إذ لو تركنا الغرائز تتحكم فينا فإن هذا سيجعل منا مجرد كائنات أو حيوانات، بل إن الغرائز قد تدفع الإنسان إلى القيام بأي عمل لتحقيقه مبتغاه ولو على حساب الغير، لذلك قيل إن السعادة التي يحققها الإنسان إذا كان فيها هضم لحقوق الآخر فهي ليست سعادة. وحديثنا عن الغرائز وقيمة العقل في توجيهنا، لا ينسينا أهم ضابط لسلوكاتنا وعلاقتنا وهو الدين، فهذا الأخير يعلب الدور الرئيس في استقامة الإنسان، مما يدفع بهذا الأخير ليكون عنصراً فعالاً في الفعل الحضاري وليس أداة هدم.

ذو صلة