مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

(أشيقر) القديمة.. أنموذج للسياحة التاريخية

 

قبل نحو عقدين من الزمن طرأت لأحد وجهاء أشيقر وأبنائها ميسوري الحال فكرة ترميم بيت عائلته الكبير، والمبني من الطين، ليكون استراحة لقضاء نهاية الأسبوع فيه، لأنه يعيش في الرياض، وقرر ألا يحدث أي تغيير فيه، وأن يستخدم المواد نفسها التي بني منها «الطين»، وألا يدخل أي شيء حديث عدا الكهرباء والتكييف، وفعلاً نفذ الفكرة ونجحت وأصبح بيتهم مزاراً لأبناء أشيقر وغيرهم، وقد أعجب الأهالي بفكرته وسار الكثير منهم على السياق نفسه، فقاموا بإعادة ترميم وإحياء منازلهم القديمة في (أشيقر) والتي أصبحت أطلالاً وخرابة بعد أن هجرها أهلها وتهدم الكثير منها بحكم عوامل الزمن.

ومع نجاح تلك الفكرة تطورت القرية لتصبح معلماً سياحياً مكتمل الخدمات، بالإضافة للصناعات الحرفية التقليدية القديمة والبرامج الثقافية التي تسلط الضوء على تطور التعليم وكيف تتم بعض الصناعات وبيع التحف القديمة، أيضاً تم إنشاء متحف متكامل بمجهود شخصي لأحد الأهالي، وكذلك إنشاء مطعم في الهواء الطلق يقدم الأطباق الشعبية من إنتاج الأسر المنتجة وتباع الأطباق المتنوعة بأسعار رخيصة ومقننة، بمعنى بيع الطعام بالوزن وليس بالطبق حتى لا يكون فيه إسراف وكل يأخذ حسب حاجته.


قرية سياحية بامتياز
عبدالرحمن بن محمد الصانع نائب رئيس لجنة السياحة الوطنية، أكد أن مدينة أشيقر أصبحت قرية سياحية بامتياز وأنموذجاً يحتذى به بمجهود الأهالي، وأضاف أن أشيقر تستقبل الزائرين والوفود السياحية على مدار العام ومن جميع الأجناس حتى السفراء والوزراء وغيرهم، كما تنظم شركات السياحة رحلات سياحية ليوم واحد من مدينة الرياض عبر حافلات مريحة ومكيفة نظير مبلغ مقطوع شامل تكاليف الرحلة مع المرشد السياحي ووجبة الغداء.


شواهد تاريخية
أما خالد آل دغيم الباحث في الشؤون السياحية فيقول: عند مشاهدة المباني القديمة والأسوار والأبواب التراثية التي بنيت من مئات السنين في بلدتَي شقراء وأشيقر، تتأكد لنا نعمة الأمن والأمان التي تعيشها بلادنا، ويظهر لنا ما كانت تعيشه هذه البلاد قبل توحيدها على يد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، من تناحر وتقاتل وخوف ورعب وفقر وقطع الطرق، وتعد هذه القلاع والأسوار شواهد تاريخية عما كان يدور فيها واعتصام الناس بها للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم آنذاك.


3 بوابات رئيسة
ويضيف آل دغيم: إن الاهتمام بمسجد الحسيني الذي يعود بناؤه إلى ما يزيد على 350 عاماً، والسور القديم لمحافظة شقراء، ويرجع تاريخه لعام 1232هـ، والسور الجديد، وتم تشييده في 1319هـ، وهناك أيضاً أبراج المراقبة على الجبال المحيطة بالبلدة، ومنها المرقب الشمالي والمرقب الجنوبي، والسد القديم في شرق البلدة عند ملتقى وادي الغدير مع وادي الرمة، وبئر الحميضية غرب السور القديم وداخل السور الجديد، وسد وادي الرمة الذي تمت إقامته عام 1396هـ؛ كل هذا له أثر مهم جداً في الحفاظ على الموروث الإنساني، وهناك أيضاً البوابات الرئيسة الثلاث: باب الطلحة وباب العطيفة وباب العقدة في السور القديم، وبوابتان ثانويتان: باب هداج وباب الثقاب.
وعدّ الجهود التي بذلت بإعادة ترميم وتأهيل الأسوار والمنازل التراثية والمدارس والمحلات القديمة والمساجد التاريخية والمتاحف والبلدة القديمة؛ جهوداً موفقة، تعبر عن تفاعل المجتمع المحلي واستشعاره أهميتها والمحافظة عليها، وهذا هو المكسب الحقيقي. مشيراً إلى أن كل تلك الجهود الرامية إلى الكشف عن الوجه السياحي لمدينتَي شقراء وأشيقر تجربة رائدة يستفاد منها في مناطق المملكة، وعودة الأهالي إلى هذه القرى التراثية هو المطلب الضروري.


موقع أشيقر وطبيعتها
تقع مدينة أشيقر في منطقة الوشم في نجد وسط المملكة العربية السعودية تقريباً، في الشمال الغربي من الرياض عاصمة المملكة، وتبعد عنها حوالي 200 كم، وتتبع إدارياً محافظة شقراء، وهي أقرب المدن منها، حيث تقع جنوبها بحوالي 12 كم، وهي من بلدان إقليم الوشم التاريخي التابعة لمحافظة شقراء، وتسمى قديماً «عكل» نسبةً لقبيلة عكل من قبائل الرباب، وتعد أشيقر أقدم بلدان نجد، حيث يعود تاريخها لما قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وخرج منها عدة شعراء في الجاهلية وفي عصر صدر الإسلام.
تتميز أشيقر بالآثار القديمة حيث ما زالت بيوتها الطينية تقاوم عوامل التعرية المتغيرة، ويوجد بأشيقر جبل معروف ومشهور على مستوى المنطقة الوسطى يدعى (جبل الأشقر) أو (ضلع الجنينة)، ويحتوي على استراحات وحدائق وصالة احتفالات وألعاب للأطفال، ويعتبر رئة يتنفس من خلالها أبناء الوشم وسدير، وتعتبر أشيقر مدينة هادئة تحيطها الطبيعة العربية من كل الجهات، فمن نفود إلى ضلوع إلى مزارع النخيل.
(أُشيقر) بضم الهمزة وفتح الشين وسكون الياء وكسر القاف على وزن (أُفيعل) التصغير من (أشقر)، وهو اللون المعروف، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى جبل الأشقر الذي يحدها من الشمال ويمتد بشكل قوس من الشرق إلى الغرب مائلاً إلى الشرق يسيراً، وهو معروف عند أهل البلدة بـ(ضلع الجنينة) الملاصق للبلدة من جهة الشمال، وأضيف الضلع إلى (الجنينة) بسبب مجاورته لها، كما أن تربتها وبيوتها الطينية تميل إلى الحمرة، والشقرة والحمرة لونان متقاربان وأطلق العرب أحدهما على الآخر في ألوان الجبال والخيل والإبل، وهذا اللون عام لمعظم بلدان الوشم الواقعة غربي النفوذ (أشيقر وشقراء والقرائن وثرمداء ومرات) فتربتها وجبالها حمراء.

 

ذو صلة