مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

اختلاف في استعمال المترادف لا في اللهجة

لهجتنا في هذه البلاد عربية، غير أننا نختلف في استعمال المترادف اللفظي لتعدد البيئات، فبلادنا كانت وما زالت متنوعة الثقافات، ليس عن تعدد في الأعراق فعرقها واحد، ولكن لتنوع البيئات، فكانت كل بيئة لها بعض كلماتها الخاصة وهي كلمات تنطلق أساساً من المترادف اللفظي للكلمة الواحدة، كما أن أهلها لهم تعاملهم الخاص في اللغة من سرعة نطق أو بطء فيه، أو الإمالة، أو التفخيم أو في التنوع بشكل عام فأهل الجبال غير أهل السهل وأهل البادية غير أهل تهامة، وبصفة عامة أهل الوبر غير أهل المدر.
ولذلك نجد أن الدكتور إبراهيم أنيس قد قال في كتابه (في اللهجات العربية): إن هناك عاملين رئيسين يعزى إليهما تكون اللهجات في العالم، وهما:
- الانعزال بين بيئات الشعب الواحد.
- الصراع اللغوي نتيجة غزو أو هجرات.
وقد كان صادقاً، فبيئاتنا كانت قبل فترة من الزمن تعيش انعزالية، ولكن بعد أن توحّدت تداخل أبناء الأقاليم مع بعضهم البعض، وكونوا مجتمعاً واحداً، زاد في تقاربهم نشوء الجامعات وتعارف الشباب وانصهارهم داخل المجتمع الجامعي، فساحت اللغة، ونفرت الفوارق اللغوية، وأصبح الطالب الآتي من تهامة يعرف الطالب من الوسط أو من الشرق أو من الغرب أو من الجنوب فكلهم يمثلون بوتقة واحدة.
إن ذلك ينكشف من خلال التعامل مع الطالب داخل المجتمع الجامعي، فكنت قبل أكثر من أربعين سنة قد قرأت نصاً شعرياً لشاعر عباسي هو أبو نصر أحمد بن يوسف المنازي ت 437هـ، ويعد من المقلين في الشعر على الرغم من جودة شعره، فهو ذاك الذي قد قال:
وقانا لفحة الرمضاء واد
سقاه مضاعف الغيث العميم
حللنا دوحه فحنا علينا
حنو المرضعات على الفطيم
وينسبها بعض الباحثين للشاعرة الأندلسية حمدونة بنت زياد، والأغلب أنها تمثلت بهذا الشعر؛ لأنها عاشت في قرن غير قرنه، فقد توفيت سنة 600هـ.
أعود لموضوعي الأساس، فأقول:
إن الشاعر (المنازي) قد نزل بباب سوق الطاق في بغداد حيث تباع الطيور فسمع حمامة تلحن في قفص، فاشتراها وأرسلها، وقال:
ناحت مطوقة بباب الطاق
فجرت سوابق دمعي المهراق
حَنّت إلى أرض الحجاز بحرقة
تشجي فؤاد الهائم المشتاق
كانت تفرخ في الأراك وربما
كانت تفرخ في فروع الساق
فأتى الفراق بها العراق فأصبحت
بعد الأراك تنوح في الأسواق
فشريتها لما سمعت حنينها
وعلى الحمامة عُدت بالإطلاق
بي مثل ما بك يا حمامة فاسألي
من فك أسرك أن يحل وثاقي
وقد عارضها الشاعر فيصل التلاوي بقوله:
من ألف عام أو يزيد سمعتها
ناحت مطوقة بباب الطاق
فتساقطت حسراتها في مسمعي
وجع الفراق ولوعة المشتاق
كما أننا نجد أن (السياب) قد قال في مرضه:
ناحت مطوقة بباب الطاق
في قلبي تئن بالفراق
إنه عندما قرأت النصوص السابقة، ركّزت على الكلمات لأبحث عن المترادف اللفظي، مع إدراكي أن القاعة تحوي خليطاً من طلاب ينتمون لبيئات مختلفة، وقد اكتفيت بكلمة (الطاق)، متسائلاً عن معناها، فمنهم من قال:
الطاقة المعروفة في المنازل والتي نطل منها على الخارج، وآخر قال (النافذة)، وثالث (الدريشة)، ورابع (الكترة).
فتبين أن المترادف اللفظي، للكلمة الواحدة، وهي مثل: (وجل وخاف وارتعد وارتعش) وكلها لكلمة (الخوف).
إن كل طالب قد عَبّر عن الكلمة بحسب مفهومه في بيئته، فذاك من الشمال لقربه من العراق والشام (حيث يستخدمون الطاقة)، وذاك من الشرقية وهذا من الغربية وهذا من الجنوب.
إننا في الواقع في بلادنا نستخدم المترادف للكلمة الواحدة غير أننا نتناولها بمترادفاتها المتعددة، وهذا المترادف الذي يؤول لمعنى واحد يختلف بحسب المكان والبيئة التي يعيش فيها هذا وذاك.
إننا في الواقع لا نختلف في اللهجات ولكن نختلف في استخدام المترادف اللغوي للكلمة الواحدة، فلغتنا واسعة، وبحرها عميق ولا يحيط بها إلاّ من آتاه الله الحكمة، على أنه قد قيل إن (الشافعي) رحمه الله قد قال: لا يحيط باللغة إلّا نبي، وما جهل الناس ولا اختلفوا إلا بجهلهم للسان العرب.

ذو صلة