مجلة شهرية - العدد (577)  | أكتوبر 2024 م- ربيع الثاني 1446 هـ

المعجــم الطبـــي الصيدلي العربي القرن الحادي عشر الهجري

شكلت المؤلفات ذات الطبيعة المعجمية النوعية والعلمية نوعاً تأليفياً متميزاً في تاريخ العلم العربي، فهذه المؤلفات الشاملة، التي تضم عادةً خبرات الكاتب العلمية والتصنيفية والتأليفية، بعد أن تكون هذه الخبرات قد اغتنت وتكاملت.
وإن مخطوط (قاموس الأطبا وناموس الألبا) هو مؤلف طبي حمل الخبرات الشاملة لطبيب وعالم وإداري هو القوصوني مدين بن عبدالرحمن (969هـ/1561م – نحو 1044هـ/1634م) طبيب، تقلد منصب رئيس الأطباء بمصر أو مشيخة الطب في دار الشفاء بمصر ونسبته إلى (قُوص) بالضم ثم السكون وذكر ياقوت الحموي أنها مدينة كبيرة عظيمة وهي قصبة صعيد مصر وأنَّ بينها وبين الفسطاط اثني عشر يوماً، ازدهرت في عهد المماليك وأصبحت مركزاً علمياً.
جمع القوصوني إلى جانب موهبته في صناعة الطب صفاتِ المؤرخ والأديب واللغوي، يظهر ذلك من مؤلفاته وبخاصة حين استفاد من ثقافته اللغوية والمُعجمية في تأليفه لكتابه الشهير (قاموس الأطباء).
يعودُ هذا المعجم الطبي إلى القرن الحادي عشر الهجري، لكنه يبرز برصانةٍ وغنى ليشكل أهميةً خاصة في (المعجمية الطبية والصيدلية العربية) وتندرجُ قراءَتُهُ وتحقيقُهُ في هدفٍ كبير من محاولات التأصيل للمعجم العلمي العربي الحديث.
فقد ذكر المحبي عن هذا الكتاب: «... وكتاب جميعه مفردات ولغة لو رآها الجوهري قال هيهات هيهات أو الخليل بعينه فداه بعينه.. أو ابن البيطار لودَّ لو طابَقَهُ كتابَهُ مطابقةَ النعل بالنعل لما فيه من الدقائق أو صاحب القاموس لقال هذا هو المجد الذي ارتقى ذروة العربية ما بين تهامة ونجد».
فهذا النص للمحبي يقرر سوية معجم (قاموس الأطباء) وأهميته وذلك حين جَمَعَهُ مع المعجمات العربية الأمهات مثل معجم (العين) للخليل بن أحمد وهو أول قاموس عربي يعود إلى النصف الأول من القرن الثاني الهجري، ومعجم (تاج اللغة وصحاح العربية) للجوهري الذي يعود إلى نهايات القرن الثالث الهجري، وكذلك جَمَعَهُ مع المعجم الأشهر في تاريخ المعجمية العربية وهو (القاموس المحيط) للفيروز أبادي الذي يعود للقرن الثامن الهجري، كما وضعه جنباً إلى جنب مع معجم متخصص نباتي - طبي هو (الجامع لمفردات الأدوية والأغذية) الذي يعود للقرن السابع الهجري. وهذا حقٌ لأن القوصوني قرنَ في معجمه بين حذق المعجمي واللغوي وبين معارف الطبيب الممارس لمهنة الطب والمتابع لها بتطوراتها النظرية والعملية كونه كان الطبيب المدير لأشهر بيمارستان إسلامي وهو بيمارستان دار الشفاء في القاهرة.
يتميز هذا المعجم بأصالة ذات مصادر متنوعة، أولها: أسلوبيته العربية الصرفة المستندة إلى الآليات العربية في التأليف والتحرير. وثانيها: مصداقية تعريفاته وشروحاته المستندة إلى الوقائع الطبية اليومية ولاشك إلى مكتبة غنية في بيمارستان (دار الشفاء).
ومن شيوخه الذين تتلمذ عليهم في مجال الطب وذكرَ عنه أقوالاً في قاموسه الشيخ داود.
    كتاب قاموس الأطباء وناموس الألباء في المصادر العربية
• ذكره المحبي في خلاصة الأثر (4: 333)، وإسماعيل باشا البغدادي في هدية العارفين (2: 423 – 424)، والزركلي في الأعلام (7: 198).
• نشرت مخطوطته بطريقة التصوير من أصول المخطوطة الموجودة في دار الكتب الظاهرية عن طريق مجمع اللغة العربية بدمشق وصدرت بجزأين (1399/ 1979).
• هذا الكتاب (قاموس الأطباء وناموس الألباء) عبارة عن معجم طبي اشتمل على:
أولاً: ذكر أنواع المفردات التي يمكن أن تتشكل منها الأدوية من المعدن والحيوان والنبات، وكل مفردة ورد وصفُها ونوعُها وطبعُها وقوتُها ومنافعُها ومضارُها وكميةُ ما يستعمل منها.    
ثانياً: ذكر أسماء المركبات من الأدوية ومفرداتها وصفة تركيب بعضها.    
ثالثاً: ذكر أعضاء بدن الإنسان وذلك بتعريفها ووصف تشريحها ووظائفها.    
رابعاً: ذكر الأمراض وذلك بتعريف المرض وسببه وعلاماته وعلاجه.    
خامساً: ذكر بعض الأمور والحوادث العضوية وتعريفها.
وقد رُتب هذا المعجم وفق ترتيب (القاموس المحيط) أبواباً وفصولاً، وكانت مصادره ومراجعه طبية ولغوية بآنٍ معاً وذلك حسبما ذكر القوصوني نفسه.
فرغ القوصوني من تأليف هذا الكتاب في سنة (1044هـ/1634م).
مؤلفاته الأخرى
تذكر المصادر العربية التراثية مؤلفات طبية وتاريخية للقوصوني وهي:
- ريحان الألباب وريعان الشباب في مراتب الآداب: مفقود.
ذُكر في: (خلاصة الأثر 4: 333، هدية العارفين 2: 423، الأعلام 7: 198).
- كتاب في التاريخ: مفقود.
ذُكر في: (خلاصة الأثر 4: 333 هدية العارفين 2: 423 – 424، الأعلام 7: 198).
أقدم المصادر التي تذكر هذا الكتاب هو المحبي في (خلاصة الأثر) فيذكره بشكل غامض وعنوانه غير مكتمل، فهو يقول (والتاريخ الذي نُقِلَ عنه) أما المصدر الثاني وهو (هدية العارفين) فيسمي هذا الكتاب (تاريخ مصر) وتابعه في ذلك الزركلي في (الأعلام).
- طيبات الأنباء في طبقات الأطباء: مفقود.
ذُكر في: (هدية العارفين 2: 424، الأعلام 7: 198).
- تحفة المحب في صناعة الطب أو هدية المحب في صناعة الطب: مخطوط.
ينفرد الزركلي بذكر هذا الكتاب ومكان وجود مخطوطته: (الأعلام 7: 198): خزانة الرباط 1766 كتاني – المغرب. ويذكر أيضاً أنه قرأ: أنه من تأليف (بدر الدين القوصوني رئيس الأطباء بمصر). وقد تفرد المحبي بقوله -بصدد مؤلفات القوصوني-: «وله غير ذلك».
نموذج من شروحات القاموس
«الوباء: بالتحريك والقصر ويُمد، هو الطاعون أو كل مرض عام وجمع المقصور أوباء وجمع الممدود أوبئة. وقال حُذاق الأطباء هو تغيرٌ يعرض لجوهر الهواء فيستحيل إلى الرداءة ويسري في الأبدان بالاستنشاق كسريان السم. قال الشيخ ما ملخصه: وأما التغييرات الخارجة عن المجرى الطبيعي التي تعرض للهواء فهي إما لاستحالةٍ في جوهره وإما لاستحالةٍ في كيفيته، فأما الذي الاستحالة في جوهره إلى الرداءة وهذا هو الوباء وهو تعفنٌ يعرض في الهواء يشبه تعفن الماء المستنقع الآجن، ولسنا نعني بالهواء الهواء البسيط لأنه لا يعفن ولأنه ليس هو الذي يحيط بنا، وإنما نعني بالهواء الجسم المبثوث في الجو وهو جسمٌ ممتزجٌ من الهواء الحقيقي ومن الأجزاء المائية البخارية ومن الأجزاء الأرضية المتصعدة في الدخان والبخار ومن أجزاء نارية، وإنما تقول له هواءً كما تقول لماء البحر ماءً وإن لم يكن ماءً صرفاً بسيطاً بل ممتزجاً من هواءٍ وأرضٍ ونار ولكن الغالب فيه الماء، وهذا الهواء إذا تغير في جوهره عَفَّنَ الأخلاط وابتدأ بتعفين الخلط المحصور في القلب لأنه أقرب إليه وصولاً منه إلى غيره. وأما الذي الاستحالة في كيفيته فهو أن يخرج في الحر أو البرد إلى كيفية غير محتملة حتى يفسد به الزرع والنسل...».
تضمَّنَ النصُ محاورَ مهمة منها:
• تعريف الوباء، فالوباء عنده هو كل مرض ينتشر انتشاراً كثيفاً عن طريق الهواء أو غير ذلك ويصيب أعداداً كبيرةً من الناس.
• قدَّم شرحاً لتركيب الهواء الذي يتنفسه الإنسان وكيف يصبح ناقلاً للمرض مع شرح لآلية الإمراض. ونلاحظ أن هذا الشرح قد أشبعَ الأبعاد الطبية وتجاوزها إلى تفاصيل غايةً في الأهمية فيما يتعلق بالتفاعلات المعقدة التي تصيب الهواء في حال انتشار الوباء.

ذو صلة