نفكر ونتحدث عن كثير من المفاهيم في حياتنا دون أن نتفق على ماهيتها. فبطبيعة الظروف سيكون إدراك المفهوم أمراً نسبياً.
اتفق المفكرون على أن المفاهيم لا تنتهي لدى الفرد عند حد معين، ولكنها تنمو وتتطور طوال الوقت. ومن تلك المفاهيم المشهورة الحق والخير والجمال والفن والحب.. إلخ.
سأختار (الحب)، وأعرضه على شريحة عشوائية من المشاهير تاريخياً، وسنشعر باتساع الفرق ومدى الاختلاف!
(فخ لتكاثرنا) هكذا عرفه الغضوب شوبنهاور، وصاحب المدينة الفاضلة أفلاطون يبرره بأنه (مكمل لنقائصنا)، عالم المنطق بيرتراند راسل ببساطته وغزارته يصفه بأنه (يطرد وحدتنا) وقريباً في المكان بعيداً في الرأي يقول فرانسيس بيكون صاحب (الملاحظة والتجريب): (من المستحيل أن تقع في الحب وتظل حكيماً في نفس الوقت).
ويعتقد الشاعر الدنماركي سورين كيركغور بأنه (أسمى تجاربنا الذاتية).
شعرت الفيلسوفة الوجودية سيمون دي بوفوار بأننا من خلاله (نتجاوز ذواتنا). وقال شريكها أستاذ الفلسفة سارتر: (إنه صراع مؤلم خطير).
واقترح عليها عندما كانا في العشرينات من عمرهما، عقداً قابلاً للتجديد كل سنتين، مبدأه كالآتي: (حبنا حب الضرورة).
عالم النفس إريك فروم يقول إنه (الحاجة إلى الانتماء). وبعيداً في الشعور قريباً في التخصص يقول فرويد إن الحب (أحد مظاهر الغرائز الجنسية).
بين هيكت كاتب المسرحيات والسيناريوهات يصوره بـ(الساحر الذي يصنع المستحيل)، وجون أبدايك الكاتب الأمريكي اشترط الوفرة فيه (الحب كالمال، لا يكفي إلا الكثير منه)، والروائي الفرنسي البارع كريستيان بوبان فسره كالتالي: (ما نعانيه دائماً، حتى حينما نعتقد أننا لا نعاني شيئاً).
ويقول ابن الفارض سلطان العاشقين: (المحبة ميل إلى الجمال فانجذاب المحب إلى جمال المحبوب ليس إلا لجمال فيه). ويقول ابن حزم الأندلسي: (الحُبّ يبدأ بالهزل وينتهي بالجدّ). بذكاء وخفة عرفه الشاعر السعودي غازي القصيبي بـ(الحب هو نسيان مؤقت للذات وتذكر مؤقت للآخر)، الشاعر الإيطالي بافيزي عرفه بطريقة مختلفة وجميلة (الحب مثل برَكة الله: لا تنفع معه الحيلة)، ويراوغ الوصف الشاعر محمود درويش في منتصف قصيدة لاعب النرد (الحب هو كذبتنا الصادقة)، فرانز كافكا ولا أعرف إن كان يقصد ميلينا حبيبته أم لا!: (الحب هو أن تكوني لي السكين التي أنبش بها ذاتي)، أعتقد أنه يقصدها من قرأ رسائله لها سيشعر بذلك، ويصور صاحب مجدولين الفونس كار (الحب، هو صيدٌ يسعى الصيّاد خلاله لأن يكون ملاحقًا من الطريدة)، ويشتكي الروائي الجزائري واسيني الأعرج مستسلماً (أن تحب معناه أن تراهن على أغلى شيء فيك، عواطفك ونبلك وحماقاتك، وربما حريتك) وابنة جلدته صاحبة ذاكرة الجسد وفوضى الحواس أحلام مستغانمي تعترف: (أجمل لحظة في الحبّ هي ما قبل الاعتراف به)، وليس بعيداً تقول كاتبة (أعلنت عليك الحب) غادة السمان (أن أحبك يعني أنني أعلنت هدنة مع الحزن).
والشاعر الفرنسي الرائع التعيس شارل بودلير يؤكد: (الحُبّ هو وردة كلُّ بتلة منها وهْمٌ كلُّ شوكة حقيقة)، وابن عمه جان جاك روسو الممهد الأهم للحركة الرومانسية في بداية القرن الـ 19 يقول وباختصار (الحب حيلة معدية)، وابن عمه الآخر بلزاك صاحب الملهاة الإنسانية (الحب توافق بين الحاجات الحيوية والمشاعر الوجدانية).
ويعلمنا الروائي الروسي العميق دستوفسكي: (إن حب شخص ما يعني رؤيته كما قصده الله).
والمخرج الأمريكي جون ناثان هكذا يشعر: (الحب هو الشعور الذي تكنه المرأة دائماً لكلب صغير وأحياناً لرجل).
ويصدمنا أمير الشعراء أحمد شوقي ببيت شعر في قصيدة (لك أن تلوم) بأن الحب هو:
وطَرٌ تَعَلَّقَه الفؤادُ وينقضي
والنفسُ ماضية مع الأوطار
ويزيد الطين بلة وزير الدعاية في دولة الحب الشاعر السوري نزار قباني حين ينقلب على دولته ويقول: (الحُب في الأرض بعض من تخيلنا، لو لم نجده عليها لاخترعناه).. والحديث يطول عن الحب والمحبين.