مجلة شهرية - العدد (576)  | سبتمبر 2024 م- ربيع الأول 1446 هـ

(بايرون) و(شيلي)شاعران رومانسيان

حياة الشاعر الإنجليزي الرومانتيكي، (برسي بيش شيلي) غير العادية، وتفاؤله العنيد، وصوته القوي؛ عوامل ساهمت في جعله شخصية مؤثرة، وعرّضته للتشويه خلال حياته وبعد مماته.
الشاعر الذي ولد في 4 أغسطس 1792 وتوفي في 8 يوليو 1822م، يُعد واحداً من أفضل الشعراء الغنائيين، وكان أيقونة للجيلين الشعريين اللذين تلياه، ومن ضمن المتأثرين به الشعراء الفيكتوريون من الحركة ما قبل الرافايلييه: روبرت براوننغ، ألفرد لورد تينيسون، دانتي غابرييل روسيتي، ألغرنون تشارلز سوينبرن، كما تأثر به لورد بايرون وويليام بتلر ييتس وهنري ديفيد ثورو، وشعراء من لغات أخرى مثل يان كاسبرويك وجيبانانادا داس وسوبرامانيا باراثي.
وقد أُعْجِبَ بـ(شيلي) كارل ماركس وهنري ستيفنز سولت وبرتراند رسل وأوبتون سنكلير.. كما اشتهر بصحبته لكل من جون كيتس ولورد بايرون، وكانت الروائية ماري شيلي زوجته الثانية.
وأما جورج غوردون بايرون أو (اللورد بايرون) (ولد في 22 يناير 1788 بإنجلترا وتوفي في 19 أبريل 1824 باليونان)؛ فهو شاعر إنجليزي، وأحد رواد الرومانسية في الشعر، والمؤمن دوماً بحرية الشعوب. وجمع شعره بين الرقة والعنف، وعكس نتاجه الشعري معتقداته على الدوام، واتسمت الكثير من أشعاره بالغرابة.
(شيلي) و(بايرون) صديقان حميمان، يتشاركان في الأفكار السياسية نفسها، وهما شاعران مختلفان أيضاً.
وقد ترعرع (بايرون) في إسكتلندا، وكانت أمه إسكتلندية، وورث لقب لورد بایرون، فضلاً عن أملاك واسعة في عام 1798.
تلقى دراسته في هارو وكمبريدج، وفي عام 1807 نشر بعض الرسائل ومجموعة شعرية بعنوان (ساعات من البطالة)، وربما كان من المحتمل أن يمر هذا الحدث دون أن يثير اهتماماً، لولا أن (بايرون) عرض بطريقة تفاخرية، لقبه وسنه، وبذلك أثار اهتمام اللورد (بروام) الناقد بصحيفة إدنبرة ريفيو، ودفعه لنقده بروح من الخبث والاستهزاء.
رحلة إلى الشرق
وقد رد بايرون على هذا النقد بقصيدته: (أغنيات إنجليزية) و(نقاد إسكتلنديون)، وابتداء من عام 1809، أبحر (بايرون) في رحلة طويلة إلى الشرق هرباً من حياة الخمول التي كان يحياها.
وبجانب كونه من كبار الشعراء، فقد كان أيضاً صحفياً ورحالة مقداماً، يجمع المعلومات والوثائق، ويقرأ في جدية، ويعرف أقدار الرجال، ويتفاهم معهم ويفهمهم.
وما أن عاد من رحلته في عام 1812 حتى نشر أولى أغنياته، رحلة النبيل هارولد، ثم الملحد وعروس أبيدوس في عام 1813، ثم القرصان ولارا في عام 1814، وحصار كورينثة، وباريزينا في عام 1816.. وفى ذلك العام، وبعد سنة من زواجه، انفصلت عنه زوجته، واحتفظت بابنتها أدا.
وبدا (بايرون) شغوفاً بحياة المجتمع اللندني، وأحيط بعشاق الأدب الذين فتنهم نجاحه، وعندئذ أدرك أنه لا بد له من الابتعاد بحواسه المادية، عن هذا الوسط الأدبي اللندني، الذي شعر بأنه سجين فيه.
وغادر (بايرون) إنجلترا عام 1816، وأقام في سويسرا مع أسرة (شيلي)، وأخذ يتردد على ندوات مدام دي شتايل في كوبیت، وهناك التقى بـ(أوجيست جييوم شلیل)، الذي لقنه كلمة جديدة هي الرومانسية، ثم غادر (بایرون) سويسرا ليستقر في فينيسيا، ثم في راقينا، وقد كان للكونتيسة جيتشيولى، وللبلاد الإيطالية تأثير كبير عليه، ظهر في أعماله، وفي لهجة مؤلفاته، وقد توفى (بايرون) في ميسولونجي في شهر أبريل 1824.
أما برسي بیش شیلي، فقد ولد في مقاطعة ساسكس في أسرة من الأشراف الريفيين، ودرس في إيتون ثم في أكسفورد التي تم فصله منها بسبب آرائه المضادة للدين.
وفي عام 1811 تزوج من (هارييت ويستبروك)، وفي عام 1813 نشر قصيدة فلسفية بعنوان (الملكة ماب)، بعد رسائل شعرية منها: (الشعر الأصيل لفيكتور وكازير)، وأخرى نثرية مثل: (زاستروزي).
ثم انفصل (شيلي) عن زوجته، وغادر إنجلترا برفقة ماري جودوين، ابنة الفيلسوف (جودوين) الذي سبق وأن اعتنق (شيلي) فلسفته.
وفي عام 1816، في أثناء إقامته بسويسرا، حيث تعرف إلى بايرون؛ ألف ملحمة رمزية وثورية بعنوان (لاون وسيثنا). وبعد انتحار زوجته، وزواجه الثاني، وقبل صدور الحكم القضائي الذي رفع وصايته على أبنائه؛ هاجر نهائياً إلى إيطاليا (1818)، وأقام لفترات في كل من فينيسيا، وروما، وبيزا، ونشر العديد من القصائد، من بينها دراما غنائية بعنوان (بروميثيوس طليقاً)، وذلك في عام 1820، ودراما هجائية بعنوان (أبيبسيشيديون) في عام 1821، ومرثية على وفاة الشاعر كيتس بعنوان (أدونيس)، في عام 1821 أيضاً. وقد توفى غريقاً أثناء إعصار في عام 1822، وأحرقت رفاته.
وكان نشر أولى أغنياته المعروفة باسم (رحلة النبيل هارولد) سبباً في انتشار مذهب البايرونية في كافة أنحاء أوروبا.
تبكيت الضمير
وأما (بايرون) فقد نجح في أن يُثَبِّت نهائيّاً في إنجلترا، الطراز الأوروبي للفنان الرومانتيكي، الذي كان فنه يتغذى بأوجاعه، والذي يعاني بشغف، ويختلق الجمال من خلال تبكيت الضمير.
ولما اتخذت أعماله اتجاهاً جديداً بعد عودته من إيطاليا، رفض المعجبون به، لفرط تعصبهم، أن يعترفوا بهذا التحول، وبذلك مهدوا لذلك الانفصال العجيب المؤلم بين بايرون والبايرونية.
إن الطابع الأدبي لـ(بايرون) ليس بسيطاً، رغم أن أغوار قريحته (تتسم بالكلاسيكية).. لقد تأثر كثيراً بالقدماء، وأعلن انتماءه لمدرسة بوب. وإذا كان الأمر قد انتهى به إلى استشعار جاذبية شيللي، إلا إنه لم يؤمن مطلقاً بالتقاليد، ولم يجدد كثيراً في الواقع من حيث اللغة أو وزن الشعر. غير أن ثمانيات (دون جوان)، وهي مقاطع ساخرة رشيقة، هي التي تتضمن الاستخفاف الذي كان أبرز ما تميز به شعره. كما أن أعماله متنوعة: فـ(رحلة النبيل هارولد)، و(الملحد)، تبرزان الأسلوب البايروني في مجال الكآبة والحزن الواعي، ممتزجاً بالخيلاء وسحر الطبيعة.
وأما (شيلي) فإن النقد يضعه من الناحية التقليدية، في إطار من الأفلاطونية، ويقدم له جودوين مذهباً جديداً، يعتنقه، ولكنه يغير من جوهره شيئاً فشيئاً. وتتحول الفردية الفوضوية تحولاً قوياً، في اتجاه أخوة إنسانية، وسيطرة الحكماء.
ومن هذا المنطلق فإن (بروميثيوس طليقاً) تعتبر أقوى وأجمل انصهار للمذهب، مع مجموعة تعبيرية من العواطف والصور. وكذلك المرثية، حيث يبكي (شيلي)، في شخصية (كيتس).
نزعة صوفية
أما (إبيبسيشديون)، فهي انشطار للحب الأفلاطوني المشبوب، الذي توجهه نزعة صوفية، بانطلاقاته ووحدته، وهي تعرض الطابع الغنائي الذي لا يقارن، والذي اتسم به الشاعر، ولم يسبقه شاعر آخر في مجال هذه الثقة الكاملة، وتلك السرعة المنتصرة.
إن كل شيء بالنسبة لـ(شيلي) انفعال موسيقى: فالأحاسيس مثلها في ذلك كمثل العواطف، تكاد تكون في حالة ثوران بالنسبة له. لقد حاول كل الأنغام والمرونة والتنوع في نظمه، وهي ذات طابع غير عادي. إن مقاطعه السبنسرية في (أدونيس)، واللحن الثالث في (انتصار الحياة)، والتركيبات الموزونة في (بروميثيوس طليقاً)؛ هي تنوعات لا يقوم بها سوى أستاذ.
وبينما كانت الموجة التأثيرية التي أثارها (بايرون)، قد اختلطت باتجاهات الرومانسية الفرنسية؛ فقد حافظ (شيلي) على مكانته كأحد أعظم شعراء إنجلترا، بل لعله كان أعظم شعراء أوروبا الحديثة، وكان يؤمن دائماً بأن (الشعر يُخلد كل ما هو أفضل وأجمل في هذا العالم، وأن الشعراء هم المشرعون المجهولون للعالم).

ذو صلة