الموسيقار بشار زرقان: لهذا السبب الموسيقى أبعد من آهات العشاق!
حوار/ هدى الدغفق: الرياض
وُلِد المطرب والملحن الفرنسي (سوري الأصل) بشار زرقان في دمشق عام 1969م، حيث كانت البيئة المحيطة به غنية بالموروث الإيقاعي الصوفي، فنشأت علاقته بالفن باكراً. ارتبط بالموسيقى الجّادة والغناء الروحاني منذ ذلك الحين، قبل أن تتبلور موهبته في فرقة المختبر المسرحي كمطرب وملحن وممثل، تعمقت تجربته أكثر في الموسيقى وطاف شرقاً وغرباً ما بين بيروت والقاهرة وباريس باحثاً عن اللحن والكلمة والحركة والدراما، أسس في عام 2006م، دارة الفنون في وسط دمشق لتكون أول فضاء ثقافي سوري مستقل يضم المبدعين من داخل البلاد وخارجها في مختلف حقول الإبداع، تتميز موسيقى زرقان باعتمادها على مضمون النص الداخلي وإيقاع الكلمة ذاتها داخل الشعر، فتتوحد الألحان مع الكلمات داخل الأغنية في بنية تطرب الوجدان، ولا تتوقف حدوده الموسيقية عند التخت الشرقي بل تمتد ببراعة إلى الآلات الغربية مثل الكلارينيت والبيانو لتضمن له تنوعاً فريداً، شارك زرقان في العديد من المهرجانات الفنية العالمية والعربية، وأصدر عدداً من الألبومات، من أبرزها: حالي أنت، والجدارية، ولا أحد.
ماذا عن مصادر الإلهام الأولى في دمشق والطفولة التي قادتك إلى طريق الغناء والموسيقى؟
- كنت في طفولتي أستمع إلى صوت أم كلثوم التي كانت تصدر من مذياع محل نجارة قريب من بيتنا في حي باب السلام بدمشق القديمة، صوتها أنبت في داخلي موسيقى، بالإضافة إلى ذلك فقد كانت طقوس الحضرة والذكر اللذين كان أهالي الحي آنذاك يحيونها تجذبني حتى شكّلت محطة مهمة في مسيرتي الفنية لاحقاً، لِمَا كانت تحمله من مناخات مسرحية، وغناء جماعي، وفرجة، وألوان، وإيقاعات جذّابة، ومازال أثرها حاضراً في مخيلتي السمعية والبصرية حتى هذه اللحظة، كانت طريقة السرد في التعبير عن هذا المشهد غنيّة جداً في تنوعها بالرغم من حالة الخوف والرهبة التي أصابتني بهما آنذاك.
ما الذي جذبك في شعر الحلاج وابن الفارض مثلاً لتتغنى بقصائدهما برغم عمقها؟
- كنت أبحث دائماً عن أغنية أكثر شمولية في مستوياتها المختلفة من التجلي، وما جذبني في هذه القصائد مفرداتها الشعرية ودلالاتها المتعددة على اختلاف زمان كتابتها، وهي الإيقاع والموسيقى والطقس المسرحي فيها، إضافةً إلى تمردها، وأيضاً الأسئلة التي تتركها، في الواقع معظم القصائد التي لحنتها للحلاج وابن الفارض وابن عربي ألبستها موسيقى وألحاناً من وحي الواقع من خلال أَنْسنتِها إن صح التعبير وجعلتها من خلال الإيقاعات والألحان تتنفس الأحلام والعذابات والأفراح، مثل قصيدة (قلبي يحدثني) لابن الفارض، أو قصائد معاصرة مثل (أن أراكَ) للشاعر هاني نديمه، أو (عن حالِ حالي) للشاعر المعاصر أحمد الشهاوي.
لحنت وغنّيت مجموعة من قصائد الشاعر محمود درويش، حدثنا عن تلك العلاقة التي ربطت بينكما؟
- عملت على تأليف ألحان لمقاطع من ديوان الجدارية للشاعر محمود درويش وغنيتها في افتتاح مهرجان جرش الدولي عام 2002م، في حضوره لجرش والتي قدمتها لاحقاً على مسارح ومهرجانات عديدة في بلدان مختلفة، وفي افتتاح دارة الفنون الذي أقيم على شرفه عام 2006م، حين أسست هذه الدارة.
الملاحظ أنك اعتمدت في تجربتك الغنائية على ألحانك، ولم تستعن بملحنين آخرين، فما السبب؟
- ألحن قصائد تخص مشروعي الغنائي الذي اشتغلت عليه عبر مراحل زمنية مختلفة من حياتي، وأحسب أن هذا النوع من القصائد لا يهتم به ملحنون كُثر، إلا أنني غنّيت أعمالاً لبعض الملحنين القدامى على سبيل المثال: أبو خليل القباني وسيد درويش وعمر البطش ومحمد القبانجي والأغاني الحجازية القديمة وغيرها الكثير.
ذكرت في أحد لقاءاتك بأن «معظم المطربين يغنون للحب إلى درجة أن كلمات الحب أصبحت مستهلكة ولم تعد تؤثر فيمن يستمع إليها»، برغم أن مجمل أغانيك تتناول موضوع الحب بشكل أو بآخر، فبماذا تفسر هذا الأمر؟
- ما زالت أغاني الحب حاضرة بكل لغات العالم، لأنها الأسهل للتعبير عن المشاعر الإنسانية ومن خلاله يتم التواصل مع الآخر ولن تتوقف، لا وبل ما زالت كثير من أغاني الحب القديمة تؤثر في مشاعرنا عند سماعها لأنها تركت معنى وأثراً فينا من خلال كلماتها ولحنها، لكن هناك نسبة لا بأس بها من المطربين استخفوا بموضوعات أغانيهم بحالة ووجدانية الحب، مما جعله محاصراً بمفردات متشابهة أوقعته في مستنقع الملل.
ألا تتفق بأن الموسيقى والغناء يخضعان لسوق العرض والطلب؟ وأن الفنان مضطر إلى التجاوب مع ما يطلبه جمهوره؟
- ربما بسبب خضوع الموسيقى والغناء لسوق العرض والطلب، من وجهة نظر مؤسسات الإنتاج التي تدعم ترويج نوع من الموسيقى والغناء وتتجاهل شريحة واسعة مختلفة من الجمهور الذي يتنفس بشوق ويتطلع إلى سماع قوالب جديدة من الغناء، في أوروبا مثلاً هناك أساليب متعددة من الفن بدءاً من الجاز إلى الغناء الأوبرالي ووصولاً للراب والبوب وغيرهما، لأنه متوافر وهناك مسارح ومنصات إنتاجية تتيح للجمهور فرصة التنوع في الاختيار حسب كل ذائقة، لذلك يتم العرض ويأتي الطلب لاحقاً، وبالنهاية هي سوق حقيقية، ومن خلال حفلاتي التي قدمتها في بلدان من العالم وكان آخرها لندن أستطيع أن أؤكد بأن هناك جمهوراً عريضاً وواسعاً ومثقفاً ومتلهفاً لكل أنواع الموسيقى في قوالبها المتعددة.
إذا كانت «الموسيقى تعبر عما لا يمكنك قوله ولا تستطيع السكوت عنه»، حسب مفهوم فيكتور هوغو فما مفهومك الشخصي للموسيقى؟
- أؤمن بأن الموسيقى والغناء هما السند القوي للروح والعقل، وليسا مجرد جسر لتفاعل الشعوب في الحب والحياة والفقر والنجاة والنعيم والمأساة وحسب، بل هما موطن المحبة لبناء التواصل الروحي والفكري والإنساني على هذا الكوكب، وهي تتوالد لتتحد ومن ثمَّ تنفصل لتتحد من جديد في صيرورة أبدية لن تتوقف إلا بتوقف الحياة.
ماذا عن أعمالك الفنية المقبلة؟
- انتهيت مؤخراً من تسجيل ألبوم غنائي جديد بدعم من وزارة الثقافة والسياحة المجمّع الثقافي في أبو ظبي بدولة الإمارات العربية، حيث أقدم فيه ست مقطوعات غنائية وهناك جولة غنائية قريبة لتقديم أغاني الألبوم الجديد، سأعلن عن محطاتها لاحقاً.