مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

ليو ليانغ تشنغ: تأتيني الأفكار وأنا أشتغل في الزراعة

حوار/ منير عتيبة: مصر


الكاتب الصيني ليو ليانغ تشنغ، حصل على جائزة لو شون للأدب في دورتها السادسة. انتقل للعيش في بلدة مولي بمنطقة شينجيانغ عام 2013، وأسس قرية تساي تسيقو للفنانين، وأكاديمية مولي التعليمية، وشغل منصب عميد الأكاديمية.
وللكاتب ليو ليانغ تشنغ مجموعة من الدواوين الشعرية، منها: (الشمس الساطعة فوق الرمال الصفراء)، ومجموعة من المقالات النثرية، منها: (قرية لرجل واحد)، و(داخل شينجيانغ)، وعدد من الروايات، منها: (تربة هشة)، و(حفر جوفاء).. وغيرهما. ولديه الكثير من القصص المدرجة ضمن المناهج الدراسية لطلاب المراحل الثانوية والجامعية في الصين.

كيف بدأت علاقتك بالكتابة؟
- منذ المرحلة الابتدائية بدأت أكتب، ففي دروس التعبير كان زملائي يكتبون المطلوب منهم فقط وأنا أكتب المطلوب مني وأزيد كتابة موضوعات أخرى غير مطلوبة، لكن أفكارها تكون برأسي، وهكذا بدأت أكتب وظللت أفعل حتى الآن.
تكتب الشعر والرواية والقصة والمقالات النثرية؛ أيها أقرب إلى نفسك؟ وهل ترى أن كتابتك في كل هذه المجالات تشتيت للموهبة أم إثراء لها؟ ومتى تلجأ لكتابة نوع منها بالذات في وقت معين؟
- في شبابي كنت أكتب الشعر لأنه كان أكثر الأشكال الأدبية قدرة على التعبير عما بداخلي، كنت أعيش في الريف وقتها. وبعدها انتقلت إلى المدينة فبدأت أكتب نثراً لأنني بدأت أفقد الإيقاع الشعري مع فقدي للحياة الهادئة الرتيبة في الريف ومعايشتي للزمن المتسارع بالمدينة. أول مجموعة نثرية كتبتها (قرية لشخص واحد)، كانت تعبيراً عن الحنين إلى مسقط الرأس في الريف وأنا أعيش في المدينة الصاخبة. بعد سن الأربعين بدأت أكتب القصة والرواية بشكل عام حتى الآن، أي منذ عشرين عاماً. أرى أن الرواية، خصوصاً الروايات الطويلة، والشعر؛ هما الأكثر قدرة على التعبير عما يدور في أفكار ومشاعر الناس. بعد التقدم في السن تكون لديك أفكار صاخبة لا تخرج إلا عن طريق الكتابة. وإذن فلا تشتيت بالنسبة لي، لأنني أكون مخلصاً لنوع أدبي معين في مرحلة معينة من تجربتي وعمري.
حصلت على جائزة لو شون للأدب في دورتها السادسة، وهي أكبر جائزة في الصين؛ ما الذي تمثله الجوائز بالنسبة للكاتب: هل هي دافع لمزيد من العمل والتجويد الإبداعي؛ أم عبء يجعل الكاتب يتردد في تقديم عمل جديد حتى لا يكون أقل من العمل الفائز؟
- الجوائز نوع من الاعتراف بأهمية مشوار الكاتب وما أنجزه. ومنذ نشرت أول عمل نثري لي كان هناك اعتراف كبير من النقاد والقراء، كما حقق شهرة مرضية بالنسبة لي، لذلك فالجائزة لم تكن مفاجئة بالنسبة لي، هي تقدير مادي ومعنوي، لكنها ليست بمثابة نوع من الضغوط أو الأعباء؛ لأن الدافع الأساسي موجود: أن أظل أكتب وأنتج بنفس المستوى والطريقة، وأصدر رواية كل ثلاثة أو أربعة أعوام.
هل لك أن تحدثنا عن تأسيسك قرية تساي تسيقو للفنانين، وأكاديمية مولي التعليمية؛ كيف بدأت الفكرة؟ ولماذا قمت بتأسيس كل منهما: عن الأهداف المرجوة من وجودهما، والمصاعب التي واجهتك، وما تحقق من الأهداف حتى الآن، وطموحاتك المستقبلية لهما؟
- في البداية عشت طفولتي وصباي في القرية، ثم انتقلت إلى المدينة. لكن حنين العودة إلى القرية لم يفارقني، فأحببت عمل شيء يشغلني ويعيدني إلى القرية في الوقت نفسه، فأسست الأكاديمية والمدرسة، لتكون الإسهام العملي الذي أقدمه لمجتمعي والذي تتذكرني به قريتي. وفكرتهما بعيدة عن الأدب، إذ يتعلم فيهما الطلاب، إلى جانب التعليم النظامي، بعض الحرف مثل النجارة وتقنيات الزراعة. ومن يرغب بعد ذلك في تعلم الأدب يتاح له، فالمرحلة الأولى هى العمل، والمرحلة الثانية هى التفكير. كان كونفوشيوس دائماً يجعل طلابه يشتغلون بأيديهم أولاً، وبعد فترة يختار الأنجب منهم الصالح للتعليم، أنا نفسي تأتيني أفكار وأنا أشتغل بيدي في الزراعة.
في رأيك، ما المشكلات التي يواجهها الكُتَّاب في الصين؟ وكيف يمكن حلها؟
- الكتّاب الصينيون من أكثر كتاب العالم رفاهية؛ لأن عندهم رابطة محترمة جداً تقدم لهم كافة الخدمات الاجتماعية والمالية والصحية. كما يحصلون على راتب شهري لكل الأعضاء في الرابطة، ولديهم ضمان اجتماعي.
في روايتك التي ترجمت إلى اللغة العربية هذا العام 2023 (المرسال)؛ نراك تحكي حكايات عجائبية في إطار شبه تاريخي، بلغة بها الكثير من السخرية، لكن عمق الرواية نقد لآليات العلاقات السلطوية والسياسية بين الدول، ونقد لفكرة المقدس والتمسك بالتقاليد الجامدة؛ هلّا تحدثنا عن فكرة العمل والتخطيط له كيف كان؟
- أعيش حالياً فى منطقة سين جان، وهي منطقة صحراوية قبلية بدوية في شمال غرب الصين، وقد تعاقبت عليها الكثير من العصور والأسر الحاكمة والحروب، فنادراً ما كان فيها هدنة أو سلام، إضافة إلى وجود عدد من الأجناس المختلفة تعيش معاً، فجيراني من عشرات الأجناس والقوميات المختلفة، وأنا فيها أسمع أصوات لغات كثيرة ولهجات كثيرة حولي، لا أفهم معظمها، فشعرت بالرغبة أو الحاجة إلى كتابة رواية عن التواصل في مثل هذه البيئة المليئة باللهجات، وهو ما تطور إلى فكرة التواصل ما بين الإنسان والحيوان، وبين الإنسان وأرواح الموتى، وبينه وبين باقي المخلوقات في الكون. رغبت أن يشعر القارئ أن هذه الاختلافات الظاهرة هي تعبير عن جسد واحد.
في رواية المرسال نجد ثلاث رؤى للعالم: رؤية البشر، رؤية الأشباح، رؤية الحمير. وقد بدا أن الراوي العليم يتبنى أكثر رؤية الحمير للعالم، وبصورة أقل رؤية الأشباح، وذلك في إطار نقده الساخر لرؤية البشر للعالم؛ فما الخطأ الجوهري في الرؤية البشرية، وما الذي تسعى الرواية إلى التنبيه له وإصلاحه من أجل حياة أكثر سلاماً ومحبة؟
- لا أهدف إلى تصويب وإعلاء رؤية عن أخرى؛ ولكن لتوضيح وجود رؤى عديدة للكون على مستويات ودرجات مختلفة من الوجود. في القرية التي أسكن فيها دائماً أسمع أصوات الحيوانات والأصوات المشوشة أعلى من أصوات البشر، فصوت البشر دائماً يكون ترتيبه الأقل من ناحية الضجيج والعلو، أنا أصف الحالة لأن الإنسان على مدار العصور أو البيئة التي أحكي عنها كان وحيداً ومنعزلاً، وكانت الأصوات والكائنات كلها تحيط به من كل جانب، كلها تتطلع للإنسان الوحيد المنعزل. الآن تغير الواقع ولم يعد هناك وجود لمثل هذه العلاقات بين الإنسان والحيوان أو بينه وبين الكائنات الأخرى.
هل قرأت من قبل أعمالاً لكتَّاب عرب، ولمن قرأت؟
- لم أقرأ غير كلاسيكيات قديمة مثل ألف ليلة وليلة ومصباح علاء الدين. كما قرأت مجموعة قصصية لكتاب عرب لا أذكر منهم سوى الكاتب الذي حصل على نوبل، نجيب محفوظ. كما قرأت رباعيات عمر الخيام، وهو إيراني وليس عربياً ولكن الثقافة واحدة.
كيف تلقيت خبر ترجمة روايتك إلى اللغة العربية؟
- ترجمت أعمالي إلى لغات عديدة، لكن سعادتي بترجمة عمل إلى اللغة العربية لها معنى خاص، ومدلول عميق، لأنني أعيش بمنطقة اسمها سين تيانج وفيها أغلبية مسلمة، ومن يعيشون هناك من قومية (الإيجور) يكتبون بحروف أقرب للعربية. فالكتابة العربية ليست غريبة عني.

ذو صلة