فِي كَهْفِهِ يَرْسُمُ الصُّوَرَ،
يُدَوْزِنُ الشِّعْرَ،
يَصْنَعُ بُيُوتَ الحَكَايَا،
يُرَصِّعُ أَبْوَابَهَا بِنُجُومِ البَحْرِ،
وبَعْضِ المَاءِ.
يَهِيمُ وَحْدَهُ فِي فَلَكِ القِصَصِ،
بَيْنَ اسْمٍ وَآخَرَ.
غُيُومٌ تَعْبُرُ أَوْرَاقَهُ،
تُرْعِدُ وَتبْرِقُ،
وغِلَافٌ شَفِيفٌ يَخْتِمُ اللَّحْظَةَ.
فِي لَيْلِ الوِحْدَةِ يَجْثُو،
قَلَمٌ بَيْنَ أَصَابِعِهِ،
ومَدَى الفِكْرِ يَسْرِي فِي طَيَّاتِهِ.
يَكْتُبُ الحَرْفَ وكَأَنَّ القَمَرَ يُضِيءُ فِيهِ،
وَحِيداً تَحْتَ ظِلِّ الأَشْجَارِ،
تَعْرِفُهُ الطُّيُورُ، وَتَسْقِي الصَّبَاحَ مِنْ عَيْنَيْهِ.
يَنْظُرُ إِلَى الزَّهْرِ،
إِلَى أَوْرَاقٍ تَتَسَاقَطُ عَلَى كَتِفِ النَّهْرِ،
يَرْتَوِي مِنْ صَمْتِهَا،
وَيَحْمِلُ فِي قَلْبِهِ بَرِيقَ النُّجُومِ.
كَأَنَّ الطَّبِيعَةَ تَهْدِيهِ قَصِيدَةَ الجَمَالِ،
وَهُوَ فِي مَعْزِلِ البَشَرِ.
يُحِبُّ الكُتُبَ كَأَنَّهَا أَوْطَانُهُ،
تَفْتَحُ لَهُ أَسْرَارَ الكَوْنِ،
فِي كُلِّ حَرْفٍ يَسْكُنُ عَالَمٌ،
وَكُلُّ فِكْرَةٍ تُصْبِحُ أَجْنِحَةً،
يُحَلِّقُ بِهَا نَحْوَ البَعِيدِ.
هُوَ المُتَأَمِّلُ فِي رِحَابِ الوُجُودِ وَثَنَايَاهُ،
يَبْتَسِمُ لِلشَّمْسِ حِينَ تَعْرُجُ فِي السَّمَاءِ،
وَيَنْحَنِي لِلأَرْضِ حِينَ يَسْتَشْعِرُ الحَيَاةَ فِي نَبْضَتِهَا.
يُحَدِّثُ النُّجُومَ،
وَيَسْتَمِعُ إِلَى حِكَايَاتِ الوَرْدِ فِي لَيْلٍ سَاكِنٍ،
نَرْجِسٌ وَفُلٌّ وَنَارْدِينٌ زُهُورٌ تُضِيءُ وَحْدَهَا،
مَصَابِيحُ يَعْرِفُهَا صَدْرُهُ،
كَأَنَّهُ الطِّفْلُ الَّذِي لَا يَمَلُّ مِنْ دَهْشَةِ العَالَمِ.
يُنَاجِي الوِحْدَةَ،
فِي صَفَحَاتِهَا خَلَاصُهُ،
أَصْوَاتٌ فِي صَدْرِهِ،
تُشْبِهُ الخَفَقَاتِ وَطَرَقَاتِ الآلَةِ الكَاتِبَةِ العَتِيقَةِ.
يَنْمُو بَيْنَ حُرُوفِهَا عُشْبُ الوُعُودِ الهَامِسَةِ،
حِينَ يُغْلِقُ العَالَمُ أَبْوَابَهُ فِي وَجْهِ الحَالِمِينَ.
تَبْقَى أَسْطُرٌ مِنَ المَاضِي يَحْمِلُهَا الغَدُ عَلَى يَدِهِ.
بَعْضُ الصُّوَرِ تَحْمِلُ عَنَاوِين وَتَوَارِيخَ،
تَدَلَّتْ مِنْ شَجَرَةِ الحَيَاةِ،
شَهَادَاتُ مِيلَادٍ لِكُتُبٍ يُزِيلُهَا تَوْقِيعُ نَاسِجِ الفِكْرَةِ.
قَافِلَةٌ مِنَ الحَنِينِ
تَطْرُقُ بَرَاحَاتِ الكَلِمِ فِي تَأَنٍّ،
تَذْبُلُ إِنْ لَمْ تُرْوَ بِعَاطِرِ الوُدِّ.