تمسح عن يده، لقد جاء بعد خمسين إبرة، وخمس سنوات من الانتظار والتعقب، جاء أخيراً كالبشير الذي يحمل فرحة الاستجابة. السعادة لحاء يدثر الوجوه، والأعين محدقة حول المعجزة تهدهد بين ذراعيها تأبى تركه، تلكزها ناصحة (دعيه ينام في المهد ليتعود، وإلا سيتعود على هدهدة يديك، ستتعبين بعدها). (لن أتعب) تجيب في حبور.
شعرت بنمل في ذراعيها، فوضعته في المهد أخيراً وعيناها حضن لا يفارقانه، شعور الأمومة يشبه المغناطيس بمجرد أن يشتم رائحة الابن حتى تلتصق به، لا شيء يشفي غليله سوى الإنجاب، (يبقى ذلك الشعور متقداً مع كل ولادة جديدة) تهمس إحداهن، (لكنه ولدها الأول وهبة الله لها بعد صبرها) ترد عليها أخرى.
ابتسامة تضيء وجهها وأفكار تحلق فوق رأسها، كلها انتشاء، احتارت في تسميته عبدالواحد، عبدالقهار، عبدالجبار اهتدت إلى أن تطلق عليه عبدالمعطي تبركاً بعبدالواحد
(إن أعطى أدهش) وها هي معلقة بين الدهشة والفرحة ونشوة الاستجابة للدعوات..
لقد كان الظلام دامساً والهدوء مرعباً حين خلا المكان من الزوار والزوج لم يعد، أخبرها أنه قد يتأخر لم يره حتى، كان يحلم تماماً كما تحلم هي وينتظر كما تنتظر، ولكن سفره طال.
توجست من القصف الذي وصل إلى مدن قريبة، جباليا، دير الزور، دير البلح، وهم الآن في خان يونس، القصف كان قريباً.
صراخ الطفل يوقظ فيها الإدراك، لم يتوقف عن الصراخ، لحظة واحدة، كأنه تنبأ بأمر ما، لقد غيرت له الحفاظات، أطعمته، غيرت له الثياب، غيرت المكان هدهدته بين ذراعيها، لكنه لم يصمت..
فامتزج مع صوت انفجار قريب، هلع الناس وخرجوا للاختباء، (كل الأماكن معرضة للقصف) يقول الشيخ ثم راح يتلو الأدعية،
كانت تخفي رعبها وتتلو الذكر، لكن القصف يتجدد في كل دقيقة، كأنها حمم من البراكين، ما تكاد تهمد حتى تنفجر.
خرج الناس من العمارة، واجتمعوا في باحتها، الأطفال يرددون وعيونهم تراقب السماء المضاءة بالقنابل المضيئة (ما بدهومش يتوقفوا اليهود، بظلوا، يطخو).
الصغار يصرخون خوفاً، الأمهات يهدهدن فواجعهن، الشيخ يتلو (اللهم لا منقذ إلا أنت) يتبعه الجميع، ينسون لبضع ثوانٍ