كالعادة، في بدايات شهر أكتوبر من كل عام، ينتظر العالم بترقب وشغف شديدين إعلان الأكاديمية السويدية في (ستوكهولم) عن الفائز بجائزة (نوبل) في الأدب لعام 2023. وقد مُنحت الخميس، 5/10/ 2023 الجائزة المرموقة للكاتب النرويجي (جون فوس: 64 عاماً). وهو أحد أبرز الكتاب المسرحيين والأدباء في بلاده. وجاء في حيثيات فوزه بنوبل: (أن مسرحياته المبتكرة، وأعماله النثرية تمنحان صوتاً لما لا يمكن قوله). حيث قال أندرس أولسون، رئيس لجنة نوبل للآداب: (إن عمل فوس متجذر في لغة وطبيعة خلفيته النرويجية.. وهو يحظى بالثناء لكشفه عن القلق الإنساني والتناقض في جوهره في أعماله. إنه يؤثر عليك بعمق عندما تقرؤه، وعندما تقرأ عملاً واحداً عليك أن تستمر).
كما أعلن ماتس مالم (السكرتير الدائم للأكاديمية) أنه اتصل بـ(فوس) هاتفياً لإبلاغه بالجائزة، وأن الكاتب كان يقود سيارته في الريف ووعده بالعودة إلى المنزل بحذر. وقد علق فوس على منحه الجائزة العريقة بقوله: (أشعر بالسعادة الغامرة والامتنان). وكان قد قال في تصريح سابق قبل فوزه بالجائزة خلال بيان أصدرته دار نشر خاصة به: إنه يخشى من الفوز.. (وإني أرى أنها جائزة للأدب الهادف، أولاً وقبل كل شيء، إلى أن يكون أدباً، دون أي اعتبارات أخرى). وقاد رئيس الوزراء النرويجي (جوناس جار ستور) التكريم، إذ كتب على منصة إكس: (اعتراف كبير بالمؤلف الفريد الذي يترك انطباعاً ويمس الناس في جميع أنحاء العالم.. النرويج كلها تهنئ وتشعر بالفخر اليوم!). وكان فوس أحد المرشحين النهائيين للعديد من الجوائز بما في ذلك القائمة الطويلة لجائزة (البوكر) الدولية في عام 2020. كما ترشح للفوز بجائزة نوبل للأدب عام 2021.
محطات مهمة في سيرته
وُلد (جون أولاف فوس) Jon Olav Fosse في 29 أيلول/سبتمبر 1959 في (هوغيسوند) على الساحل الغربي للنرويج، ونشأ في (ستراندبارم). عندما كان في السابعة من عمره، كاد يموت في حادث، والذي وصفه بأنه (أهم تجربة) في طفولته والتي صنعته كفنان. كان يطمح في مراهقته إلى أن يصبح عازف جيتار روك، قبل أن يتحول طموحه إلى الكتابة. ودرس الأدب المقارن في جامعة (بيرغن)، ودرس في أكاديمية الكتابة في هوردالاند. ثم عمل كاتباً صحفياً، فكتب بلغة (النينورسك - النرويجية الجديدة، كلغة أقلية). وبجانب عمله على مسرحياته ورواياته، يعمل فوس كمترجم لأعمال مؤلفين آخرين. ونشر روايته الأولى: (أحمر، أسود) Raudt، svart عام 1983. وقد بدأ حياته الأدبية روائياً، ولم يبدأ مسيرته ككاتب مسرحي حتى بلغ الأربعينات من عمره. فبعد أن أثبت نفسه كروائي وشاعر وكاتب مقالات وكاتب أدب الأطفال، أصبح أيضاً مؤلفاً مسرحياً. وعلى الرغم من أنه أعرب في كثير من الأحيان عن شكوكه بشأن كتابته للمسرح؛ فقد كتب مسرحيته الأولى (ولن نفترق أبداً) Og aldri skal vi Skiljast عام 1992م، ووصفها لاحقاً بأنها: (أعظم اكتشاف في حياته الأدبية)، وقد تم عرضها في المسرح الوطني في بيرغن عام 1994.
ثم جاء إنجازه الدولي عام 1999م، عندما قام المخرج الفرنسي (كلود ريجي) بإخراج فيلم (شخص ما سيأتي في نانتير) عن مسرحيته (شخص ما سوف يأتي) Nokon kjem til å komme. وفي العام التالي أدرج مسرح (برلين) الشهير مسرحيته Schaubühne في مهرجان (سالزبورج). وقد ساعد هذان الإنتاجان في تمهيد الطريق لدراما فوس على الصعيد الدولي. وكان فوس من بين المستشارين الأدبيين لإعادة ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة النرويجية ونُشرت عام 2011. وأيضاً.. عام 2011، منحته الدولة النرويجية مكان إقامة فنانيها الفخري مدى الحياة Grotten. وهو مقر إقامة فخري مملوك للدولة النرويجية ويقع في مبنى القصر الملكي في وسط مدينة أوسلو. ويعد استخدام Grotten كمقر إقامة دائم مع راتب مدى الحياة بمثابة شرف منحه له ملك النرويج لمساهماته في الفنون والثقافة النرويجية. وفي عام 2015.. حصل على جائزة الأدب من مجلس الشمال عن ثلاثية: (اليقظة) Andvake، و(أحلام أولاف) Olavs draumar، و(التعب) Kveldsvævd.
أما عمله الرائع -سبعة أقسام في ثلاثة كتب مجمعة معاً في مجلد واحد بعنوان (Septology)- فيقص حكاية رسام عجوز أرمل يعيش بمفرده. حيث يبرز فنه في (المونولوج)، في وقت يحاول فيه فوس (التصالح مع هويته ومصيره، فكان كمرثية لزوجته المتوفاة، والتعامل مع حياته الأسرية والمهنية). وشكلت الكتب الثلاثة الفردية التي تتألف من (Septology): (الاسم الآخر)، و(أنا آخر)، و(اسم جديد) - تحكي قصة تتكشف على مدى سبعة أيام. لكن في أبريل 2022، وصلت روايته (اسم جديد: Septology VI-VII) (ترجمها إلى الإنجليزية داميون سيرلز) إلى القائمة المختصرة لجائزة البوكر الدولية. كما ترشح إلى نهائيات جائزة دائرة نقاد الكتاب الوطنية في الخيال لعام 2023.
أسلوبه في الكتابة
يعد فوس أحد أبرز الكتاب المسرحيين والروائيين في أوروبا والعالم. وهو كاتب متنوع الاهتمامات ذو توجه نخبوي. ومع ذلك، فهو من أكثر الكتّاب الأحياء الذين تُؤدى مسرحياتهم في أوروبا والعالم. وعُرضت مسرحياته أكثر من ألف مرة في جميع أنحاء العالم. كما ترجمت أعماله الحائزة على العديد من جوائز إلى أكثر من أربعين لغة. كما تم تصنيفه في المرتبة رقم (83) في قائمة (أفضل مئة عبقري على قيد الحياة/ الكاتب المسرحي الأكثر إنتاجاً على قيد الحياة) من قبل صحيفة (ديلي تلغراف). وتتكون أعماله المكتوبة بلغة (النينورسك) النرويجية من أربعين مسرحية مبتكرة. بالإضافة إلى عدد من الروايات والقصص القصيرة والمجموعات الشعرية والمقالات وكتب الأطفال والترجمات. كما أنه الكاتب المسرحي النرويجي الأكثر أداءً بعد الكاتب الأشهر (هنريك إبسن)، لذا أطلق عليه (إبسن الجديد). وقد لوحظ أن أعمال فوس تمثل استمراراً حديثاً للتقليد الدرامي الذي أنشأه (إبسن) في القرن التاسع عشر.
وتميزت كتابته بسمات: (النثر البطيء)، والمونولوج الداخلي، والأسلوب الموسيقي المثير للذكريات الزمانية والمكانية وللقص. كما تتضمن فنياته: (أسلوب تغيير المستويات، والمشاهد، والانعكاسات، عكس الدراما سريعة الوتيرة). ففي قصته القصيرة (الصباح والمساء) (نينورسك: Morgon og kveld) فتحكي في الجزء الأول قصة صياد وولادته. أما الجزء الثاني فيسرد وفاته، حيث يعيد زيارة أماكن ولحظات مهمة من حياته. صدر الكتاب باللغة الإنجليزية عام 2015. حصل الكتاب على جائزة ميلسوم. كان أساساً لأوبرا Morgen und Abend لعام 2015 مع موسيقى (جورج فريدريش هاس). وفي الرواية الشبيهة بالحلم، (Melancholy II)، يجذب القراء إلى عمل مُدهش يتأرجح بسلاسة بين أجزائه.
وتراه (يمزج فوس بين تجذر اللغة وطبيعة خلفيته النرويجية مع التقنيات الفنية في أعقاب مرحلة الحداثة وما بعدها). قال (جاك تيستارد)، ناشر أعمال فوس الخيالية، عند سماعه نبأ فوزه بنوبل في الأدب: (إنه كاتب استثنائي، تمكن من إيجاد طريقة فريدة تماماً لكتابة الرواية.. إن رواياته تعويذة وصوفية ومتجذرة في المناظر الطبيعية للمضايق الغربية حيث نشأ.. من المهم جداً تذكر أنه يكتب بلغة النينورسك أو النرويجية الجديدة، وهي لغة أقلية في النرويج، وهو أيضاً كاتب مسرحي وشاعر استثنائي، إنه يتمتع بعقل مذهل، ولم يكن من الممكن أن يحدث ذلك لشخص ألطف منه). وكما قالت محررته النرويجية (سيسيلي سينيس) في مقابلة مؤخراً، إذا فتحت أي كتاب لجون وقرأت سطرين، فلن يكون من الممكن أن يكتبه أي شخص آخر.
بينما تدور أحداث Septology، التي بدأها أثناء توقفه عن الكتابة المسرحية وبعد تحوله إلى الكاثوليكية عام 2013، حول رسام عجوز، يدعى (آسل) وهو يعيش بمفرده على الساحل الجنوبي الغربي للنرويج مُتأملاً في حياته. وهناك في Bjørgvin يعيش (آسل) آخر، وهو أيضاً رسام ولكنه يعاني من إدمان الكحول. وينشغل الشبيهان بنفس الأسئلة الوجودية حول الموت والإيمان والحب. ولذا فأهم ما يميز أسلوبه هو (البساطة الفوسية). حيث مقاربة أعمق للمواقف اليومية وللمشاعر الإنسانية كالقلق، وعدم الأمان، والعجز، والتساؤلات الوجودية الفلسفية حول الحياة والموت. لكن ليس ازدراءً عدمياً للعالم. أمور يواجهها كل إنسان في العالم مما جعل له لكل ما يكتبه من دراما أو شعر أو نثر أثر إنساني عالمي. وهو بذلك قد جمع بين الروابط المحلية القوية، اللغوية والجغرافية، مع التقنيات الفنية الحداثية.
وبجانب تتويج فوس بجائزة نوبل في الأدب لعام 2023، كان قد مُنح العديد من الجوائز والتكريمات منها: (عام 1997 جائزة أشهوغ)، (1998 جائزة نينورسك للأدب)، (1999 جائزة دوبلوج)، (2003 مهرجان نورسك الثقافي)، (2003 جائزة نينورسك للأدب)، (2003 وسام الاستحقاق الوطني من فرنسا برتبة فارس)، (2005 جائزة براغ)، (2005 قائد وسام القديس أولاف الملكي النرويجي)، (2007 جائزة الأكاديمية السويدية لشمال أوروبا)، (2007 جائزة الوزارة الاتحادية لشؤون الأسرة)، (2010 جائزة إبسن)، (2014 الجائزة الأوروبية للأدب)، (2015 جائزة مجلس الشمال للأدب).
وترشح (فوس) للجائزة في حفل يقام في ستوكهولم في 10 ديسمبر/كانون الأول. بمكافأة تقدر بـ 11 مليون كرونة سويدية (821.209 جنيه إسترليني/ مليون دولار). والجدير بالذكر أن الفائزين بجائزة نوبل للآداب في السنوات العشر الأخيرة هم: 2023 (جون فوس - النرويج)، 2022 (أنّي إرنو - فرنسا)، 2021 (عبدالرزاق قرنح - مولود في تنزانيا ومقيم في بريطانيا)، 2020 (لويز غلوك - الولايات المتحدة)، 2019 (بيتر هاندكه - النمسا)، 2018 (أولغا توكارتشوك - بولندا)، 2017 (كازوو إيشيغورو - بريطانيا)، 2016 (بوب ديلان - الولايات المتحدة)، 2015 (سفيتلانا أليكسييفيتش - بيلاروس) 2014 (باتريك موديانو - فرنسا).