مجلة شهرية - العدد (576)  | سبتمبر 2024 م- ربيع الأول 1446 هـ

السعودية.. الوصول للغد عبر جسر المعرفة

ميزان الاقتصاد (العالمي)، ظل ومنذ سنوات مضت، في حالة من التأرجح العنيف، حسب توصيف خبراء الاقتصاد، والواقع لا يكذب ما ذهبوا إليه، فالاقتصاد (العالمي) مر بتأرجحات عنيفة صعوداً ونزولاً، تصدرتها حروب وكوارث دولية وإقليمية، (روسيا، أوكرانيا) دولياً، وإقليمياً نعود إلى التدهور الذي أصاب أسعار النفط منذ عشر سنوات، إذ تأثرت به الدول المنتجة للنفط في المنطقة العربية، أما تبعات فيروس كورونا للعالم في نهاية العام 2019 فكانت ذات تأثير كبير ومختلف، إذ لم تستطع الكثير من الدول حتى الآن ترميم التصدعات التي أصابت جدران اقتصادياتها بسبب الوباء.
تبعات سالبة
لا بد لنا من العودة إلى أحداث كبيرة ألقت بتبعاتها السالبة على بعض الدول التي دخلت في دائرة ما يعرف بثورات الربيع العربي ولم تستطع الخروج بعد، ولقد أفرزت هذه الثورات واقعاً سياسياً مضطرباً، فقد تزعزع استقرارها، وتوقفت قاطرة الإنتاج فيها، مما أغرى بعض دول العالم الكبرى التي كانت تبحث عن موطئ قدم في المنطقة للدخول، والحصول على مصالح ما كان لها أن تنالها إلا هكذا، ونتيجة لهذه التدخلات الخارجية، والعوامل (السياسية) الداخلية الأخرى؛ تأثر الأداء الاقتصادي كثيراً، لا سيما في بلدان كانت تعتمد (فقط) على النفط كمصدر رئيس للموارد. فالتحولات العميقة، في الاقتصاد العالمي، والتراجع الكبير في اقتصاديات بعض الدول الفاعلة والمؤثرة، نتيجة للصراعات والحروب، (روسيا، أوكرانيا) كأنموذج، أثرت في ارتفاع أسعار الغذاء، وفي انخفاض إمدادات الطاقة، خصوصاً الغاز الطبيعي، فهذه الأزمات المتلاحقة، تسببت مجتمعة في اختلال ميزان العرض والطلب العالمي، فمثل هذه الأزمات المتقاربة والمتعددة، لا سيما ذات العلاقات المترابطة، أثرت على الملايين في جميع أنحاء العالم، خصوصاً على أولئك الذين يعيشون في المناطق الأكثر ضعفاً، فالظروف الاقتصادية، كان تأثيرها كبيراً، على ميزانيات الأسر والاستهلاك والاستثمار، وهو ما أدى في النهاية إلى الكثير من الأضرار الاجتماعية على المجتمعات.
خطط فعالة
ولتخطي العراقيل، يجب على القادة والمهتمين بالشأن الاقتصادي، تشييد درج الصعود نحو الاقتصاد المستقبلي، وللتمكن من توفير فرص استثمارية حقيقية؛ يحتاج صناع القرار والمستثمرون والمؤسسات المالية الكبرى، إلى مجموعة من الخطط الفعالة، والتي تبدأ بتحفيز الاستثمارات في جميع القطاعات الاقتصادية، واستغلال تدفقات رؤوس الأموال، وتوجيه الاستثمارات في قطاعات البنية التحتية، والطاقة النظيفة، وتبادل الخبرات في المجالات، والاطلاع على أحدث الاتجاهات الاستثمارية العالمية، للتمكن من الهيمنة على اقتصاد المستقبل.
ينبغي على الدول المتطلعة للمواكبة، توفير معينات داعمة للوصول الآمن للمستقبل، وتعتبر الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، هي الأساس، فما من مساحة في العالم اليوم خارج دائرة الاتصالات، وقد وفرت فرصاً كبيرة، ومهمة جداً لتعزيز التواصل الحضاري، والتعاون بين الأمم، ونقل الثقافات والخبرات المختلفة، وأصبح وجودها لازماً لتكتمل به الدائرة الاقتصادية المنشودة، فالاتصالات اليوم هى الحلقة الأهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة المستندة على اقتصاد المعرفة، فهناك استثمارات ضخمة اليوم تركز في المقام الأول على قطاع الاتصالات الحيوي، ويعد قطاع الاتصالات الآن هو مفتاح بوابات الأسواق العالمية، ومواكبة تطور هذا القطاع تعني الخروج الآمن من الاقتصاد التقليدي والدخول إلى اقتصاد المعرفة عبر أوسع بواباته.
إذاً فالتحول من اقتصاد النفط إلى اقتصاد المعرفة (ممكن)، نعني هنا الدول التي تعتمد في اقتصادياتها بالكامل على النفط، في حال توفر معينات التحول، وتوافر أدواته المتمثلة في التعليم والتدريب، وتطوير مهارات أفراد المجتمع، لتتواكب ومتطلبات اقتصاد المعرفة، فالتركيز على التعليم التقني والمهني، ودعم البحث والتطوير، وتطوير البنية التحتية الرقمية، والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتشجيع الابتكار والإبداع، وتمويل المشاريع الريادية، وربط الجامعات والمؤسسات البحثية بالقطاع الخاص تجعل من الوصول إلى الهدف المنشود سهلاً.
الانفتاح على الغير، بأدوات العصر الحديث، أعظم فائدة من الانغلاق، ورفض مشاركة الآخر، ونقل التجارب المفيدة من مكان لآخر لن يتأتى إلا بالانفتاح على الآخر، والوصول إليه بأدوات العصر، فاستغلال أذرع القوة الناعمة مثلاً يؤدي إلى تقوية رباط العلاقات مع الغير، ويمكن من استغلالها اقتصادياً، ويعين على بناء مجتمعات حديثة منفتحة، تواكب التطور، وتسهم في تشييد جسور العلاقات المتينة مع الغير لتبادل المنافع المعينة على تجاوز الصعاب، وعلى الاستقرار، لبناء المستقبل الآمن.
نجاحات ملموسة
للخروج من دائرة الحديث النظري عن اقتصاد المعرفة وعن القوة الناعمة ومدى استفادة الدول منها نتوقف عند تجربة المملكة العربية السعودية ونجاحها الكبير في استغلال القوة الناعمة لتعزيز اقتصادها وفتح آفاق جديدة تعود بالفائدة على الدولة والشعب، وبما أن فعالية القوة الناعمة تعتمد أساساً على تكنولوجيا الاتصالات الحديثة؛ فقد نجحت المملكة نجاحاً باهراً في تأسيس قواعد صلبة للتكنولوجيا، وبناء عدد من المؤسسات الإعلامية الفاعلة لبلوغ الغد المتكئ على المعرفة، مما أدى إلى نجاح تجربتها في استخدام القوة الناعمة، والتي تستحق بكل المقاييس أن تكون أنموذجاً ومثالاً يحتذى، فنجاحها المدهش في استضافة الملايين من ضيوف الرحمن في مواسم الحج والعمرة، وتوفير كل أسباب الراحة لهم، واستضافتها لعدد من الفعاليات الرياضية والثقافية العالمية، وإصدارها للتأشيرات السياحية، وتطويرها للبنية التحتية السياحية، وتسهيل كل الإجراءات الرسمية للمواطن والمقيم، فضلاً عن السير بخطى ثابتة نحو تحقيق وإنجاح مشروع رؤية 2030، وغيرها من المشاريع، التي تشير بوضوح إلى خطوات المملكة السريعة الثابتة لبلوغ المستقبل عبر جسر المعرفة.

ذو صلة