مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

فيلم نورة.. مسار إجباري بين الأيديولوجيا والأحلام

فيلم نورة أول فيلم سعودي يشارك في مهرجان (كان) السينمائي، ويحصل على تنويه خاص، بالإضافة إلى جائزة أفضل فيلم سعودي في مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2023م، وهو من كتابة وإنتاج وإخراج توفيق الزايدي.
وتجسد قصة الفيلم حقبة التسعينات الميلادية، عن فتاة تدعى نورة، فقدت والديها صغيرةً مما يضطرها للعيش عند عمتها في قرية نائية يغلب عليها العزلة والابتعاد عن المدينة مع بعض العادات والتقاليد التي تفرض على المرأة أدواراً معينة لا تتجاوز محيط المنزل.
بين اختزال البداية والنمطية السردية
يصف المشهد الافتتاحي للفيلم حال نورة، ابتداء من دخولها غرفة مظلمة، ثم إشعالها الضوء وسط الظلام، في رمزية للتغيير الذي تريده لحياتها، وذلك أمام حقيبة قديمة ممتلئة بالكثير من قصاصات الصور لفتيات المجلات، استوقفتني كثيراً مرآة صغيرة تعكس صورة نورة بجانب تلك القصاصات، فكأنها انعكاس ضمني لأحلامها، ويترافق مع المشهد صوت الراوي الذي يصف حالها بحزن وإحباط: (ما بقى لي شيء في الديرة غير المجلات والأحلام)، كل ذلك مع مشاهد هادئة لشخصية نادر (يعقوب الفرحان) الذي عُين معلماً في القرية التي تدعو المتلقي لكثير من التأمل والانسجام، لما أوحت به لقطات البيئة الصحراوية، برفقة موسيقى تصويرية تعمّق الاستغراق التأملي للمشاهدة، وعندما يصل المعلم نادر للقرية، يمر بحادث سيارة يتضح فيما بعد أن تلك السيارة هي التي فقدت نورة فيها والديها، ثم يستقبله شيخ القبيلة أبو سالم (عبدالله السدحان) فيدعوه للعشاء، ويؤكد على ضرورة لبسه (الثوب) الزي السعودي، فيلبي الدعوة في خيمة مليئة برجال القبيلة، وفي أثناء (تناول) الوليمة التقليدية التي تعد من أعراف تلك المنطقة يدور حوار يُظهر مقدار التوتر وعدم التوافق الفكري لنادر مع محيطه.
قد تكون البداية بطيئة وتقليدية، ولكنها بداية تمهيدية تملأ المتلقي بحالة من النوستاليجيا لتلك الحقبة، وخصوصاً لمن عاصرها.
الفضاء الدرامي والبحث عن الذات
المجلات وصور أغلفتها تمثل نافذة ترى بها نورة العالم، ولذا فإن النقلة الدرامية تحدث باكتشاف نورة بأن المعلم يجيد الرسم، عندما رسم أخاها نايف، فتحاول الوصول إليه لتطلب منه أن يرسم وجهها، وهنا تكون نقطة التقاء مشتركة بين حبها للصور وإجادته للرسم.
وقد يكون طلبها خطوة جريئة جداً، ولكنها أمنية كبيرة ومهما اتصفت بالجرأة إلا أنها بريئة جداً، ونكتشف ذلك من مشهد الرسم الذي يجمعهما فتكون ملتزمة بالحجاب، وحديثها المليء بالاحترام والعمق الذي تمتلكه، فهي تبحث عن النور الذي ظهر في حوارهما عندما قال لها المعلم في حوار يصف الابتعاد عن تقدير الفن: (الناس نوعان: ناس ترى النور وناس ترى الظلام).
إن نورة تبحث عن النور بين ركام الفن المتناثر في غرفتها/المجلات، والأحلام التي تفكر بها وتتوق إليها، وكل ذلك بمثابة تعويض لها عن الفقد الذي تعانيه.
نهاية كلاسيكية وانتصار رمزي
بعد كل تلك المشاهد التي يستنتج فيها المتلقي حاجة نورة للقاء جدها، وتحقيق حلمها، وحاجتها الإنسانية للخروج من القرية واللجوء للمعلم؛ ينتهي بها المطاف باكتشاف أمرها من خطيبها ظافر -يبدو لي شخصية جوهرية في الفيلم- فيعترض طريقها ويقوم بإعادتها لبيت عمتها، فتدخل نورة حالة حزن، وتبدأ عمتها بسرد قصة مجيئها للقرية في سردية درامية عاطفية تثير التعاطف الإنساني.
ومع تلك النهاية الحزينة تحضر لحظة تنويرية في المشهد الأخير من الفيلم، إذ تظهر امرأة في متحف تتأمل إحدى الصور المعروضة، ليتضح فيما بعد أنها صورة نورة، وتلك اللقطة بمنزلة انتصار إنساني، فهي البطل الحقيقي للفيلم، والحدث مكوّن أصيل للقصة.
وختاماً، أجد الفيلم محاولة رائعة لنقل أسلوب مقارن لتلك الحقبة مع ما نعيشه الآن من تطور، وازدهار حضاري وثقافي وإنساني وفني وأدبي على جميع الأصعدة الحياتية بأبسط التفاصيل وأعظمها.

ذو صلة