مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

فيلم سعاد.. الأذن تبصر أيضاً

كان للمخرجة آيتن أمين حضور بارز في السنوات الأخيرة في السينما المصرية والتلفزيون، ولعل أبرز أعمالها، هو فيلم (سعاد) مرشح دولة مصر للأوسكار لعام 2021م.
بدأ الفيلم بشاشة سوداء وأصوات مختلفة، حتى قطعها حوار الشخصية التي تحكي قصصاً سنكتشف أنها تعكس واقعاً ما.
اختارت المخرجة أن يكون التصوير في مساحات ضيقة بحركة كاميرا قريبة من الممثلين، نرى شقة العائلة وغرفة الشخصية الرئيسة (سعاد)، ففي القسم الأول من الفيلم باستثناء مشهد البداية في الباص والذهاب لمدرسة أختها وشراء الخضار والفواكه مع أمها، عدا ذلك نحن نعيش في شقة عائلة سعاد، لكن نسمع صوت المكان حاضراً ومعبراً عنه، أنه يقوم بدور اللقطات الطويلة، إذ إنك تشعر بالألفة مع محيط شقة عائلة سعاد.
ستتعرف أنه في محافظة وليست مدينة، من خلال اللقطات الخارجية من نافذة الباص في أول الفيلم، ثم يستمر هذا الإحساس بالصوت في المشاهد الداخلية.
يدور العمل من عنوانه عن شخصية واحدة، أكثر ما يدفع سردها والتعرف عليها هو الأصوات حولها، فصوت الأغنية يدفع صديقتها للرقص، وننظر من خلال عيونها ردة فعلها المرتبكة، التي يدفعنا الفضول حول شخصيتها، والتي تتبين من خلال حواراتها مع نفس الصديقة حول علاقتها العاطفية مع شهور في السوشيال ميديا إلا أنها تتخبط بين الانفتاح على مشاعرها أو المحافظة على ما تظنه حول نفسها من قيم.
في الجانب الآخر -علاقتها العاطفية-، سنعرف عنها من خلال تواصلها بالهاتف، أنه تجمعهما علاقة حميمية، يبين هذا الارتباك أنه لا يتواصل معها إلا لاستغلالها عاطفياً، حيث يتجاهل رسائلها بشكل دائم.
يمتد تأثير الصوت حتى بالحدث الرئيس للفيلم، -موت سعاد-، حيث يصل مداه، حين لا نرى وجهاً لانتحارها إلا صوت جسدها وهو يرتطم في الشارع مع صياح الناس.
وفي القسم الثاني للفيلم، بعد مشاهد العزاء، تنطلق رحلة أختها الصغرى، فما يشبه التحقيق الوثائقي/ الصحفي حول مسببات انتحار أختها، تأخذها الرحلة إلى الإسكندرية حيث تقابل حبيب أختها، وتكتشف حقيقته بأنه متزوج، وتتنبّه لنظراته الغريبة إلى النساء للمعاناة الأخلاقية التي يعيشها.
لكن يجدر الانتباه أن الأحداث بالقسم الثاني تقع في الإسكندرية، المدينة الكبيرة والعريقة، لكن تستمر المخرجة باستعمال الأسلوب نفسه الذي رأيناه من أول الفيلم، أن الصوت هو ما يشير إلى المكان، وتعتمد على طريقة تصوير مقربة تبعدنا عن لقطات تعكس هوية المكان، يأخذ أحياناً هذا الأسلوب حدته أحياناً مثل مشهد المطعم بين أحمد وأخت سعاد في حوار مهم، تفضل صوت الأذان والمكان عن الحوار، أخت أحمد توعده بهدية لا تقدمها إلا حين تغادر من الإسكندرية، وهو عبارة عن تسجيل صوتي وسعاد تغني.
لطالما كانت السينما توصف بأنها تجربة بصرية، والصوت ثانوي لها، وفي فيلم سعاد تشير بقوة إلى أن السينما تجربة تتجاوز البصر، وتضع (الصوت) بطلاً، يكشف عن ثيمة الفيلم ومواضيعه التي تتعلق بالأجيال الجديدة وتناقضات استخداماتهم للسوشيال ميديا وما ينعكس على شخصياتهم، وطبيعة علاقاتهم العاطفية.

ذو صلة