يمثل باب الكعبة المشرفة، الذي أمر جلالة الملك عبدالعزيز بصنعه في عام (1363هـ/ 1944م) قيمة تاريخية وأثرية كبيرة، حيث يعد أول أثر إسلامي في عصر المملكة العربية السعودية والتي تأسست رسمياً بإعلان قيامها في 23 سبتمبر (1932م).
مع ما يمثله هذا الباب من قيمة روحية على أهم وأعظم وأشرف مكان بالنسبة لمسلمي العالم أجمع، والذي يمثل الإعلان الرسمي والشرعي لقيام سلطة سياسية جديدة تولت جمع كلمة المسلمين في الجزيرة العربية تحت راية التوحيد، بإعلان قيام المملكة العربية السعودية والتي ضمت أقاليم نجد والحجاز وتهامة وعسير وتبوك والأحساء والقصيم في إطارها التاريخي وسياقها السياسي الطبيعي، من هنا كان التأكيد على هذه السلطة السياسية والروحية على أهم مقدسات المسلمين وإعلان التزام المملكة العربية الوليدة بأداء دورها التاريخي والسياسي في الإشراف على هذه المقدسات. الإسلامية في الحرمين الشريفين.
كان أول هذه الأعمال الرمزية ذات الدلالة تجهيز وتصميم كسوة الكعبة المشرفة بداية من سنة (1345هـ/ 1926م) نتيجة حادثة المحمل المصري الشهيرة، وإقامة أول مصنع للكسوة المشرفة في أجياد بمكة المكرمة.
ثم جاء الدور على الأعمال الإنشائية نتيجة الحاجة الملحة لتطوير الحرم المكي وزيادة مساحته كضرورة حتمية نتيجة ازدياد أعداد الحجاج والمعتمرين نظراً لتطور وسائل المواصلات البحرية، وتوسعة ميناء جدة الإسلامي (1946-1948م)، وبداية دخول الطيران لمجال نقل الحجيج وإقامة أول مطار رسمي في جدة (1945 - 1953م).
كانت الأعمال الأولية في صيانة البيت العتيق تشتمل على تغيير باب الكعبة، حيثُ وصل لحالة سيئة نتيجة طول العهد، فتم وضع خطة لاستبداله بآخر جديد.
ومايزال الباب القديم محفوظاً بالمتحف الوطني السعودي بالرياض، وعرض في بينالي الدرعية بمطار الملك عبدالعزيز بجدة في سنة (2023م)، وأقيم نموذج ونسخة من هذا الباب مطابقة للأصل (Replica) وعرض في متحف دار الفنون الإسلامية في مركز جدة بارك في مدينة جدة.
أما باب الكعبة الجديد الذي أمر جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود بصنعه في سنة (1363هـ/ 1944م) فكان من الفولاذ والحديد والألمنيوم المصفح والمطعم بالفضة والذهب والنحاس، بمقاسات (342 سم x 182 سم)، وهو محفوظ من ضمن مقتنيات الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بمكة المكرمة، ويعرض بصفة دائمة في معرض الحرمين الشريفين في حي أم الجود بمكة المكرمة، كما عرض بصورة موسمية في بينالي الدرعية بمطار الملك عبدالعزيز بجدة في سنة (2023م)، وأقيم نموذج ونسخة من هذا الباب مطابقة للأصل (Replica) وهي معروضة في متحف دار الفنون الإسلامية بمركز جدة بارك في حي العزيزية بمدينة جدة.
صنع هذا الباب على نفقة الملك عبدالعزيز حيث كلف شيخ الصاغة بمكة المكرمة الصانع محمود يوسف بدر بعمله في سنة (1363هـ/ 1944م)، وقد تم تركيب الباب في 15 ذي الحجة (1366هـ/ 31 أكتوبر 1947م)، في حفل حضره ولي العهد السعودي وقتها الأمير سعود بن عبدالعزيز، وكبار أعيان مكة المكرمة.
ويلاحظ في سماته الفنية مدى الانسجام بين التصميم الجديد لباب وستارة الكعبة المشرفة باستخدام الزخارف الخطية والنقوش الكتابية ذات الخط الثلث كعنصر مميز للزخرفة، بالإضافة إلى اختيار نسبة وحجم بروز الزخرفة في التصميم الجديد ومطابقة ذلك على الواقع بأن كانت الزخارف منفذة بالحفر والنقش على الذهب مع استخدام قليل من الفضة، واستخدام زخارف مناسبة في المساحة المتاحة عن طريق استخدام الزخارف النباتية والهندسية المستوحاة من الفن الإسلامي، وفي الوسط وضعت جامات وخراطيش لكتابة الآيات القرآنية الكريمة، وزخرفت الزوايا العليا ليكون شكل الباب العام معقوداً بعقد دائري يحيط بالآيات القرآنية المكتوبة حسب الترتيب الموضع لها من واضع الرسم والخط الشيخ عبدالرحيم أمين بخاري المكي (1917 - 1998م)، الرئيس الفني للعمال الفنيين بدار الكسوة والصناعة بأجياد منذ عام (1350هـ/ 1932م)، والذي عمل بدار الكسوة منذ إنشائها في سنة (1346هـ/ 1928م)، تمرس خلالها على جميع الأعمال الفنية المتصلة بتصميم وصناعة الكسوة الشريفة، وبصفة خاصة بعد وفاة الخطاط محمد أديب أفندي، ثم أصبح وكيلاً بمصنع كسوة الكعبة المشرفة في أم الجود (1382هـ/ 1962م)، والذي وضع ونفذ زخارف باب الملك خالد للكعبة فيما بعد (1399هـ/ 1979م).
أتت الآيات القرآنية المسطرة على باب الكعبة الجديد معبرة عن طبيعة الملك الدينية، وبدت الآيات معبرة عن مكانة الكعبة في نفوس المسلمين بصفة عامة:
بسم الله الرحمن الرحيم..(.. واتقوا الله الذي إليه تحشرون. جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس). (سورة المائدة 96 - 97).
(وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً). (سورة الإسراء 80).
وفي جامتين دائريتين وضعت شهادة التوحيد وهي شعار المملكة العربية السعودية: (لا إله إلا الله).. (محمد رسول الله).
ثم وضعت آيات قرآنية في شريط كتابي مقسم إلى خرطوشين إلى جوار حلقتي مقبض الباب: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو العفو الرحيم). (سورة الزمر 53).
ثم في جامتين دائريتين على جانبي الباب في الثلث الأدنى منه:(كتب ربكم على نفسه الرحمة). (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم). (سورة الأنعام54)، و(سورة غافر60)، وهي آيات ذات مدلول ديني بطلب الرحمة والمغفرة أمام باب الملتزم.
ثم في طرف الباب السفلي وُضع خرطوشان سجل عليهما النص التذكاري والتأسيسي الذي يسجل عمل الملك عبدالعزيز للباب الجديد، كما هو معهود في صناعة التحف الفنية الإسلامية بما نصه:
(هذا الباب من صنع جلالة الملك عبدالعزيز)
(بن عبد الرحمن آل (السعود) ملك المملكة العربية السعودية سنة 1363).
(صنع شيخ الصاغة بمكة المكرمة محمود يوسف بدر)
(واضع الرسم والخط عبدالرحيم أمين بخاري المكي).
ووزعت أسماء الله الحسنى التي يدعو بها الناس في جامات بيضاوي في صيغة النداء والابتهال والدعاء بشكل منمق ومتوازن، حيث وضعت في العتب أو المعبرة أعلى فتحة الباب ثلاثة جامات:
(يا عليم.. يا الله.. يا مجيد).
وفي القائم الأيمن خمسة جامات:
(يا رؤوف.. يا سبحان.. يا منان.. يا عظيم.. يا مستعان).
وفي الجانب الأيسر خمسة جامات كذلك، في تماثل وتناظر ليس له مثيل:
(يا (رحمان).. يا غوثاة.. يا حنان.. يا حليم.. يا تواب).
مع ثراء زخرفي كبير دون مبالغة أو تكلف من زخارف نباتية وأشكال وخطوط هندسية تمثل إطارات تحصر فيما بينها هذه الكتابات وتتوزع خلال الزخارف النباتية المتعددة.
هذا وقد رفع هذا الباب من موضعه وتم استبداله بالباب الذي أمر الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود بعمله في سنة (1399هـ/ 1979م) والموجود حالياً بالكعبة.
وبذلك تحول هذا الباب الفريد إلى أثر إسلامي ليس لها مثيل، وأصبح أول أثر سعودي يرجع إلى زمن الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود رحمه الله .