جلستُ بجانبه، بقينا لحظات لا نتكلم، ولا ينظر أحدنا إلى الآخر، سنوات لم نتكلم، لم نتحدث حديثاً جادّاً، كانت كل الأحاديث تدور عن كرة القدم وعن الأخبار العامة.
لا يليق بنا الصمتُ هكذا، لكنني لا أريد المبادرة بحديثٍ لا يريده، قد تكون لديه أحاديث يريد قولها، لكنه آثر الصمت ليرى ما عندي.
أشعل السيجارة، كانت أصابعه ترتجف قليلاً، سحبَ دخانها بحرارة، كانت شعلتها تزداد احمراراً كلما وضعها في فمه، وكأنه نسي لساعات طويلة شرب السجائر.
كان ينفثُ الدخان بعيداً عني في الناحية الثانية، يعلم كرهي لرائحتها، يجيد نفثها كعامود طويل، تذهب بعيداً إلى زاوية المكان.
سألته بجسارة: كيف حالك؟
ردَّ سريعاً: بخير.
دخلنا في نفق صمتٍ آخر، ننتظر نور الفرج، ونرسمُ في جُدران نفقنا الصامت خربشات بعثتها وساوسنا وخيالاتنا. لم تكن الخربشات مجدية وموصلة لأيِّ شيء.
انتهت السيجارة سريعاً، نظر إلى شاشة جواله، بدوري رفعت جوالي ونظرتُ إليه. قطفتُ من قفار صمتي كُليمات أخيرة، لكنني لوهلة اخترتُ تمزيقها ورميها في الهواء. كانت آخر الآمال والتطلعات، لم يبق بيننا أيّ شيء، قفار موحلة بالصمت.
نظر إلي، وتحدث عن موضوعٍ عابر، عن إحدى قضايا الساعة في الرياضة، تبادلنا الحديث هنا وهناك، انتهى الحديث، لا نستطيع إضافة شيء آخر، قفزنا سوياً من مكانينا ورحلنا بعيداً عن بعضنا البعض.