فرغا لتوهما من تناول الفطور، تلتقط من طبقها حبات السمسم المتساقط من الخبز المدهون بالزيت والزعتر، يتجادلان عن اللقاء السابق، هناك دوماً أشياء عصية على الفهم في حينها، يعذبه هروب عينيها كلما تقدم خطوة منها رجعت خطوتين، نقطة الارتفاع يليها منحدر.
من النافذة تلقي بفتات الخبز لسرطانات البحر السوداء المتسلقة الصخور المدورة والمزركشة بالأخضر، تغرد السرطانات، تنحصر الموجة حاملة معها الفتات، قارب صيد يقترب لونه أزرق غامق، يزينه في الجزء الظاهر من البحر بالأبيض رأسٌ وذيل لعروس البحر، يلطمها الموج يؤرجحها، تبدو عروس البحر البيضاء عائمة على (وش الميه).
تسأله عن لون عينيه، تريد تجاوز الحاجز المتنامي بينهما، شفافٍ مثل زجاج المرايا، يكاد لا يرى لكنها تراه وترسم أحياناً عليه بإصبعها حين يتكاثف عليه البخار قلباً وحرفاً، تنفتح في القلب نافذة، تقترب أكثر من سرطانات البحر فوق الصخور، بعضها لونه أحمر غامق، تندفع بكثرة نحو السرطانات السوداء التي تقف في تحد، خرجت من تحت الصخرة البعيدة سرطانات كبيرة الحجم تشرع كمشات أذرعها، نوع آخر يقفز وكأنه يطير، تنقسم السرطانات إلى من يحمي نتوءات الصخور التي بها البيض، ومن يسيطر على الرقعة الخضراء في الصخور، وبينما الصراع على أشده تأتي موجة صاخبة تتناثر فوق الحاجز الزجاجي، يتقاطر البخار دمعاً ويتشوه القلب.
القارب يقترب من الشاطئ، الشبك مكوم في الوسط نظيف لامع مطرز بكريات من الفلين الأحمر، يضع رجل أكياس مياه في صندوق بلاستيك، يحمل الآخر الصندوق ويلوح لقارب آخر، رجل ثالث يدير الدفة، يبتعد القارب، وتعود عروس البحر تشق الأمواج، من تركوه على البر يدوس الصخور بقدميه المفرطحتين وبنطاله المرفوع عن ساقيه المشعرتين ويلحق بمركب آخر مقدماً صندوقه.
وأخيراً قال: (لونهما عسلي، وأحياناً لون عتمة الزيتون، وقد يمتزج اللونان معاً، هكذا قالت أمي ذات أصيل بعيد)، كان هناك في الآصال الدافئة.
دقة الوصف جعلتها تقترب أكثر من عينيه، متخيلة الزيتونة، تدق بالحجر واللون الغامق الذي تتركه صدمة الطرق عليها، قبل أن تدلك بالملح وتدخل جرة التخليل، لعينيه عتمة الزيتون، حين يلتفت نحوها يبحث عن عينيها الهاربتين، وكأن بهما غيمة تبحث عن أرض تشتاق إليها في أعلى قمة جبلية، تعرف أنها منذورة لها من عمر يفوق زمن إدراكهما للوجد بسنين.
تعلق حبة سمسم بزاوية فمها يمسحها بطرف يده كأنه يمسح قذى من طرف عينها التي باتت هي الأخرى قريبة من عتمة الزيتون ولا تحتمل غيمتها أقل من هزة ريح.
تتأرجح الثريات البيضاوية الشكل. البيضاء فوقهما ذكرتها بالأكياس الموضوعة في صندوق الصيد.
قالت: ماذا يصطاد الصيادون غير الأسماك؟!
قال: الزريعة السمكية.
كلما اهتزت الثريات المدلاة شعرت بأنها تسقط عليهما أسماكاً صغيرة، انتزعت من بحرها لتزرع في مياه أخرى، مهما كانت البيئة الأخرى لن تكون في عمق بحرها، في البعيد يرمي الصيادون الشبك وعروسة البحر تعوم في مكانها.
يراقب موجته البعيدة تتكون، تتهادى، تلمع، تسبقها موجات زاعقة، تأتي موجته عاشقة البحر هادئة كي لا تزعج الكائنات التي وضعت بيضها في نتوءات الصخور. اللازورد والأصفر المتداخل في الأخضر للصخور والزبد الأبيض؛ يحدد الإطار ويذوب.